زيارة ترمب الخليج: دلالات وتوقعات وتمنيات

نبيل فهمي

ملخص
من الدلالات الواضحة لسرعة وأولوية زيارة ترمب السعودية والإمارات وقطر تحديداً، أنه شخصياً يرتاح للتعامل مع قيادات هذه الدول، ويرى في علاقات الولايات المتحدة معها عوائد مادية وسياسية سريعة وملموسة.
يزور الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذا الأسبوع المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة وقطر خلال الفترة من الـ13 حتى الـ16 من مايو (أيار) الجاري، يلتقي فيها مع كبار مسؤوليها وعدد من قادة دول مجلس التعاون الخليجي. وإتمام هذه الزيارة قبل أي دول أخرى، بما في ذلك الحليف الاستراتيجي الدولي التقليدي الحميم بريطانيا، أو الحليف الأقرب في الشرق الأوسط وهو إسرائيل، له كثير من الدلالات، بل هي أول زيارة خارجية لترمب في ولايته الثانية، باستثناء اشتراكه في مراسم الفاتيكان في وفاة البابا الكاثوليكي السابق فرنسيس، ولهذه الخطوة والأولويات والتوقيت دلالات مهمة تستحق التحليل المعمق والواقعي من حكوماتنا وشعوبنا، لتوخي الحذر من مغبات بعض المواقف، والاستثمار والاستفادة مما تطرحه من فرص وإمكانات.

مع صحة مقولة إن المؤسسات الأميركية الرسمية كالكونغرس لها باع مهم في توجيه السياسات الأميركية، وإن أيدي الرئيس ليست مطلقة، فإن إتمام زيارة الخليج كمحطة أولى يعتبر مؤشراً مهماً وواضحاً إلى أن شخصية الرئيس الأميركي ستؤثر بمعدلات متزايدة في مضمون وشكل السياسات الأميركية، ويجب أخذ ذلك في الاعتبار، في تحديد أسلوب التعامل مع الولايات المتحدة خلال أعوام الإدارة الحالية، نكون واعين وحذرين ومستفيدين من أن ترمب يسعى إلى الإنجاز المادي الملموس والسريع ويضغط دائماً لتحقيق ذلك.

ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن ترمب غير معني بخلفيات تاريخية وقانونية، وغرضه النجاح المادي المباشر على المدى القصير، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار كذلك أنه يمكن تجنب ترمب بعض الوقت، والمناورة لعدم الدخول في صدامات شخصية ومباشرة معه في غالب الوقت، وأحدث مثال لذلك – نتيجة للإعداد المسبق – عدم الاتفاق العلني لرئيس الوزراء الكندي الجديد مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض من دون الدخول في مهاترات أمام الإعلام، وإنما ليس من المنطقي تصور أنه يمكن تجنب الولايات المتحدة كلية على مدى أعوام ممتدة، نظراً إلى تشعب نفوذها، لذا يجب أن نكون واعين مسبقاً للمواقف والاحتمالات وحكماء وواقعيين في سياساتنا، لصعوبة وعدم ملاءمة الاستجابة لكثير من اقتراحاته، والمبادرة والشجاعة في طرح الأفكار والخيارات المختلفة لتوجيه الدفة نحو مصالحنا.

ومن الدلالات الواضحة لسرعة وأولوية زيارة ترمب السعودية والإمارات وقطر تحديداً، أنه شخصياً يرتاح للتعامل مع قيادات هذه الدول، ويرى في علاقات الولايات المتحدة معها عوائد مادية وسياسية سريعة وملموسة، وهو ما يجب توظيفه ثنائياً وإقليمياً، مع العلم أن ترمب يتوقع ويتطلع إلى سرعة اتخاذ قرارات والتوصل إلى اتفاقات معها، في شكل صفقات أو اتفاقات سياسية، وهذا شيء يجب الاحتياط له وفي الوقت نفسه استثماره خليجياً وعربياً أيضاً.

ومع تحفظي على كثير من سياسات وممارسات ترمب، أرى أن اهتمامه بالخليج وزيارته المبكرة شيء إيجابي ومفيد ويجب توظيفه، لأنه يعكس يقينه الشخصي بصعوبة مطالبة الأصدقاء بمواقف من دون مراعاة مواقفهم ومطالبهم. ولعله من المفيد التذكير هنا أن إدارة باراك أوباما تفاوضت ووصلت إلى اتفاق مع إيران حول البرنامج النووي من دون التشاور أو حتى إبلاغ الأصدقاء العرب بما في ذلك الخليج، على رغم أنه المعني مباشرة بذلك.

قضايا دولية عدة ستطرح للنقاش منها العلاقات مع الصين والوضع في أوكرانيا والإسهامات الخليجية الممكنة، وإنما ستكون العلاقات الثنائية الأميركية مع الدول الثلاث على رأس قائمة اهتمامات الرئيس الأميركي، سعياً إلى إعلان ترمب والتباهي باستثمار خليجي في الولايات المتحدة أو صفقات أسلحة بأرقام كبيرة بخاصة في مجال التسلح والذكاء الاصطناعي. وأعتقد أن الدول العربية المستضيفة ستتعامل مع هذا المسعى بطرح مجمل صفقاتها واستثماراتها الأميركية منذ انتخاب ترمب، وبعض الاستثمارات الجديدة، فضلاً عن الإعلان عن نياتها وطموحاتها القادمة، ليجري وضع حجم التعاون والعائد المادي في إطار أشمل وأوسع وأكبر، لإرضاء ترمب وتمكينه من توظيف ذلك سياسياً كإنجازات شخصية.

هذا وستتعدد القضايا السياسية الإقليمية محل البحث كذلك، وعلى رأسها المفاوضات مع إيران التي تفاجأت بها إسرائيل، وتجري تحت رعاية ووساطة عمانية، ويسعى ترمب إلى تحقيق إنجازات في شأنها، مما انعكس على تصريحات المبعوث ويتكوف، الذي تحدث عن إمكان إحراز تقدم وكوسيلة ضغط حذر من تداعيات وخطورة الفشل في ذلك.

وستكون الاتصالات الأميركية – الحوثية والوضع على شواطئ شرق أفريقيا محل بحث ونقاش، وهي أيضاً تجري تحت وساطة عمانية، ويجب تهنئة عمان على هذا الجهد والحنكة. وكان الإعلان عن وقف إطلاق للنار مفاجأة غير سارة أخرى لإسرائيل، وارتباطاً بذلك قد يطرح موضوع الوضع في السودان، ولا أتوقع أن يكون المشرق العربي على أولويات ترمب شخصياً في المحطات الثلاث، وإنما من الطبيعي أن يجري التشاور حول أوضاع سوريا ولبنان، وكيفية تأمين عدم عودة النفوذ الإيراني وضبط أمور المنطقة مع إسرائيل. ويرجح تناول بعض المسؤولين الأميركيين دون مستوى ترمب، غالب هذه النقاط، وقد يُتطرق أيضاً إلى احتمالات تنامي التيارات المتطرفة واستقرار الوضع في العراق.

وستكون أوضاع غزة والإفراج عن الرهائن المحتجزين على رأس القضايا الإقليمية، وعلى مستوى القمة، واتصالها بها من الطبيعي التطرق إلى قضية السلام الفلسطيني – الإسرائيلي، بخاصة أن المساعي الأميركية للبناء على ما أنجز في ولاية ترمب الأولى لم تنته، وقد تسربت أخبار عدة غير مؤكدة بل بعضها مستبعد عن مواقف جديدة لترمب والولايات المتحدة، تنويهاً بعدم ارتياحه لتصرفات نتنياهو، وصلت إلى درجة أن ترمب يتجنب الاتصال المباشر برئيس الوزراء الإسرائيلي.

ومن الأخبار المسربة إسرائيلياً أن ترمب سيعلن اعترافه بدولة فلسطين، وهو أمر نتمناه وإن كنت أستبعده في الوقت الحالي، على رغم أن اقتراحه في ولايته الأولى شمل ضمنياً إقامة دويلة فلسطينية على محور اقتصادي. وتسربت معلومات أن أميركا وضعت خطة لتوفير المساعدات الإنسانية وإعمار غزة، ولها أعتاب سياسية غير متفق عليها إسرائيلياً، منها وقف إطلاق نار وانسحاب إسرائيلي كامل على مراحل مع إنهاء الحرب، مع الموافقة على استمرار وجود “حماس” إدارياً في غزة، وتأمين مسؤوليها من الاعتداءات والاستهداف الإسرائيلي، على أن تكون هناك إدارة دولية وعربية وأميركية متدرجة، وهي أمور تتعارض مع السياسات الإسرائيلية وتتطلب دعماً واستعداداً عربياً للمشاركة، كذلك ترددت أخبار غير مؤكدة أن الإمارات أبلغت أميركا أنها لن تساعد في تمويل إعادة إعمار غزة أو في إدارة القطاع في ظل المناخ السياسي المتوتر القائم حالياً.

تتوافر للدول المستضيفة الثلاث فرصة فريدة للترويج المشروع لمصالحها وعلاقاتها بالولايات المتحدة، فرصة يجب انتهازها واستثمارها، وهو ما أتمنى وأتوقع الاستفادة منه بصورة استراتيجية واعية وسليمة، تأخذ في الاعتبار الجوانب الاستراتيجية الإقليمية في الوقت نفسه الذي يجري فيه تناول المصالح الثنائية التكتيكية القصيرة الأجل.

* نقلا عن “اندبندنت عربية”