لم تهدأ جبهة جنوب لبنان بصراعها ذي البعد الإقليمي، والذي استمد معالمه من السابع من تشرين الأول – أكتوبر العام الماضي، ليشتعل فتيل الصراع الخامد في سوريا، استكمالا لظلال تداعيات حرب الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وكسر معادلات إيران ومحورها في فرض واقع إقليمي تحت عنوان وشعار وحدة الساحات، وانحسار نفوذها، انتقلت نار الصراع من الشمال السوري إلى وسطها، كامتداد طبيعي لجبهات تتحكم وتسيطر عليها ميليشيات وأنظمة حليفة وتتبع الفلك الإقليمي الإيراني، بشكل دراماتيكي ليدلل على محاولة تثبيت حقائق جديدة في المنطقة مبنية على نتائج حرب إيران وأذرعها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
بمقاربة أدق ورؤية أعمق، يعيش الشرق الأوسط اليوم إعادة تدوير لزواياه الحادة، من خلال سحق تحالفات تقليدية بمزيجها القائم على الطائفية تحت عناوين ومسميات “وحدة الساحات” و“المحور”، أو بمعنى أصح، سقوط أحجار الدومينو الإيرانية واحدا تلو الآخر، بات يتسارع وينتقل ليطال جبهات وساحات ودولا، وبعد حسم نيران الحرب واقع حماس في قطاع غزة، وحزب الله في جنوب لبنان، من خلال تحجيم قدرات الحزب، الذي لم يستهدف بقدراته العسكرية ومكوناته القيادية فحسب، بل موقعه في الخارطة السياسية اللبنانية، وقدرته على التأثير فيها مستقبلا، وأيضا في تعاطيه مع قضايا المنطقة والإقليم، والانكفاء للحفاظ على مكانته في المشهد السياسي الذي سيشكل قريبا.
أما في سوريا، الحسم أصبح قاب قوسين أو أدنى، ونظام بشار الأسد يلفظ أنفاسه الأخيرة بانهيار قواته النظامية وانسحاباتها من المدن والقرى السورية، وحالة التخبط التي أصبحت سائدة كسلوك لدى النظام وحلفائه، ليصبح شبح التقسيم يلوح في الأفق أو بالحد الأدنى بقاء سوريا في إطار النموذج الصومالي دون أفق سياسي يحافظ على الدولة الوطنية من سيناريوهات تكهنية قابلة جميعها للتحقيق.
في الجانب الآخر، قرأ ساسة العراق الواقع الجديد، ليسيروا على مسار الحياد دون زج أنفسهم كأوراق محروقة في التعامل مع مسألة المحور الإيراني. ليبقى السؤال المطروح اليوم: هل تتخذ حكومة محمد شياع السوداني ذات المسار في سوريا كما فعلت في الحرب على غزة ولبنان، أم أن الثقل الميليشياوي الإيراني في العراق سيتجه لحماية نظام بشار الأسد الآيل إلى السقوط؟ خاصة وأن الحديث يدور عن حراك سياسي عراقي – إيراني – سوري، متزامن مع إعلان قادة ميليشيات وأحزاب عراقية عن النأي بأنفسهم عن دوامة الصراع السوري.
إيران المنهزمة اليوم، تدرك أن أجنداتها في المنطقة تمزقت، وأن حسابات ما يجب فعله والمحافظة عليه تندرج تحت بند واحد فقط هو البحث عن مصالح إيران فقط حتى وإن كان على حساب التضحية بمحورها وأذرعها، من خلال إيجاد توازن يخفف من وطأة التزاماتها تجاه حلفائها في الإقليم، وانتهاجها سياسات تقارب وتصفير أزمات مع دول الجوار، ومعتمدة خفض التصعيد إلى أقصى حد مع الولايات المتحدة (إدارة الرئيس دونالد ترامب)، والسعي لاتفاق ينهي مسألة الملف النووي، يتيح لطهران فاعلية إقليمية أمام تحولات الشرق الأوسط الجديد.
عن العرب اللندنية