سلاح الجو الإسرائيلي..بين “الشيخ” و”الحكيم”

ساطع نورالدين

يبدو أنه ليس هناك في الأفق، مخرج من الحلقة المفرغة التي وقع فيها لبنان، والتي تعمم سوء التقدير، وتفضح سوء التعبير، وتزيد من صعوبة فهم مواقف جناحي السياسة المحلية، اللذين يختلفان على كل شيء، ولا يتفقان سوى على أمر واحد، هو اعتقادهما معاً ان سلاح الجو الإسرائيلي إنما يعمل بناء على تعليماتهما وإيحاءاتهما، وهو لا يحلق في الأجواء ولا ينفذ غارات على الأراضي اللبنانية إلا بعد أن يتلقى تهديدات الجناح الذي يتمسك بخيار المقاومة ويلوح بين الحين والأخر بالعودة الى السلاح، أو بعد ان يسمع بتغطيات الجناح الاخر الذي يشيّع المقاومة وخيارها، بمواقف “تعطي ذريعة” للطيران الإسرائيلي لكي لا يتوقف، طالما ان المقاومة متمسكة بسلاحها وتتلكأ في تسليمه الى الدولة اللبنانية.
وفي بعض حالات الذروة من ذلك الشرخ اللبناني، يبدو وكأن الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، من جهة، ورئيس حزب القوات اللبنانية، الدكتور سمير جعجع، يشاركان في توجيه سلاح الجو الإسرائيلي، سواء بتحدي وإستفزاز أسرابه العاملة في سماء لبنان، أو بإستدراج او حتى إستدعاء طياريه لمواصلة اعتداءاتهم على لبنان، لإنهاء المهمة الموكلة إليهم، وتجنب أي تباطوء ، أو إخلال بالمهل الزمنية المحددة، التي لم يسمع بها أحد، والتي يتناقض ترويجها مع ما هو معلن عن الرضا الرسمي الإسرائيلي والأميركي التام، عن أداء الجيش اللبناني في نزع سلاح حزب الله، والذي “فاق توقعات” كل من تل ابيب وواشنطن، (حسب التقرير الأخير لصحيفة “وول ستريت جورنال” قبل أيام).. وإن لم يكن قد دفع الاميركيين الى تنفيذ وعودهم بزيادة دعمه لضمان تجنيد 12 ألف عسكري جديد في صفوفه، حسب ما تم التفاهم عليه.
اتفاق وقف النار وملحق القرار 1701، يجيز لإسرائيل بوضوح ضرب أهداف على الأراضي اللبنانية، تعتبرها تهديداً لأمنها. وهي عبارة فضفاضة، لا تخدم “الشيخ” ولا “الحكيم”، ولا مريديهما الذين ذهبوا بعيدا في تفسير ما تتفوه به الموفدة الأميركية مورغان اورتيغوس، التي لا تؤخذ ثرثراتها على محمل الجد، لا في واشنطن ولا في تل ابيب.. والتي فُرض على بيروت، أن تستقبلها كل ستة أو ثمانية أسابيع، حسب قرار تكليفها الرسمي، بحملة العلاقات العامة، مع الدولة اللبنانية.
سلاح الجو الإسرائيلي يتابع عملياته، غير آبه ب”الشيخ” و”الحكيم”، اللذين يزيدان صعوبة فهم ما يفعله ذلك السلاح القاتل، في لبنان هذه الأيام، حيث لم يعد يجد مخازن أسلحة ثقيلة يقصفها، لا في جنوب الليطاني ولا ربما في شماله، بل بات ينفذ استعراضات ترهيب وتذكير بقوته الفائضة وسبل استخداماتها العشوائية، والوحشية، حيث تتكرر في الآونة الأخيرة الغارات الدورية المكثفة على مواقع لبنانية فارغة أو مهجورة، كانت قد قصفت آخر مرة في ثمانينات أو تسعينات القرن الماضي.. عدا عن الغارات التي باتت تغتال فلاحين وموظفي كهرباء ومياه وإتصالات وعمال نقل، ليس بينهم عضو أو مؤيد لحزب الله.
لا يعمل سلاح الجو الإسرائيلي في لبنان على الأرجح، بمعزل عن حرب غزة وجبهتي اليمن وسوريا، ومفاوضات إيران التي لا تزال المركز الأول للاهتمام منذ أن تمكنت طهران من فك ارتباطها بتلك الجبهات التي فتحتها، بلا أي شعور بالندم او الذنب، أو المسؤولية.
بيروت في 31 / 5 / 2025