سورة الفلسطيني

احمد نسيم برقاوي
أحمد برقاوي

وتسأل عن الفلسطيني يا هذا :
الفلسطيني ابن الحياة وصانعها
يأبى أن يتسلل اليأس إلى روحه
و يكتب بدماه سفراً جديداً من سور الوجود
يتنقل في ساحات الحياة
فداءً
ويصرخ
بصوت الفينيق الأبي:
فلسطين لي .
يصارع القبح
القبح الذي لا يشبه قبحاً على هذه الأرض
مضرجاً بالدماء
يملأ كفيه بأنهار صدره
ليسقى الأرض الثكلى
ويلوح للحالمين
وقد نمت على روحه أجنحة زاهية
يحلق بها فوق العطاش إلى الحياة
ليبعث فيهم روح الأمل.
ومن على شرف الوجود الخضراء، المطلة
على معنى البقاء
وبعينين غاضبتين
حالمتين حانيتين إلى بحر يافا
يحاور الفلسطيني التاريخ والحاضر ولآتي
ليل فلسطين بألف ليل
ونهارها كل النهارات
ومساء الفلسطيني وصباحه متحدان
كأن هذا الوجود بلا زمان
تتلاشى المسافات والأبعاد و الجهات
بنظرة واحدة إلى قصر هشام في أريحاء
النبيذ الأحمر المولود من عروق دوالي الكرمل
والساري في عروق المحبة
لم يسأل كيف تسللت دمشق إلى الأكؤس الممتلئة بآهات القلب
والصخرة التي من جرح عميق في صدرها
والتي تحاكي صخرة الربوة
ولد زهرٌ كبريائي النفس
تحدق وتعتب على الغياب الطويل
يحاور الفلسطيني المكان:
وتسألني عن الحزن الساكن في عيني
أتكئ على زيتونة معمرة و مازالت ولوداً
وأجيب عن سؤالها:
من رحم النكبة ولدتُ
وفِي كهف النكبة أعيش
ومن جراح النكبة جئتك
يا أم الحياة
وكما يتعربش العشب على جدران البيوت النبيلة
تتعربش على جدران ذاتي سيرة اللجوء
وما من مرة آلت روحي إلى الرمق الآخير
كما أراد الطغاة
هم التحوت يا صخور عيبال
من كل أنواع التحوت
رموني على خارطة العالم أشلاء
وألقوني في جفن الردى وهو متيقظ يا أبا الطيب
جردوا كل نيوب الحقد ليسمموا
جرحي المنير
الساكن في قلبي الفلسطيني طليقاً
بلا أسوار تغلق عليه فضاءات الأمل
والعدم ظل زائف لوجودي
أنا الفلسطيني
وتسأل الجمجمة المحشوة بقار التيه و السبي
في سرها:
من أين لهذا العجوز الذي يدب على عكازه
ويعتلي تلال الجليل وجبالها
كل هذه البراعم من الآمال التي لا تنتهي
من أين له هذا اليقين المطلق
بأنه وحده الباقي على على أرض كنعان
الجمجمة الحمقاء لا تسمع أجوبة الأرض ولا أناشيد شجر الزيتون
شتان بين من يمرح في جبال عيبال معتداً
وذاك المتخفي خوفاً بين أسوار
وبرج مراقبة
وخوذة لا تنجب إلا اليأس
الكوفية التي ترفرف على
رأس صديق الفضاء و الريح و المطر
صاحبها لا يبكي على جدار
تعلم من نبيه ،الذي يحب الحياة،
ومنح لأحفاده
روح أجنحة البراق
بأن الطريق إلى السماء سالكة
ولا يعرج إليها
إلا كي يعود إلى الأرض
محملاً بسناءات النجوم
الفلسطيني الذي يختزن المسيح في فؤاده
يختزن روح الحب و القيامة من الموت
وأناشيد مواسم البذار و الحصاد و الجني و القطاف
معجزة هزت عروش اليقين:
المطر الفلسطيني يهطل من الأرض
ليسقي السماء
فلسطين رحم الولادة
ظن العدم ان الارض لا تختزن إلا القبور
اصم لم يسمع موسيقى الأردن
وأغاني أفراح العماد
وظن ان الأرواح فرت من اجسادها
ونسيت حناجرها الوعول
مغتصب مارحا في الارض يمشي
وسيفه مفلول من قراع الزهور
ما كان يدري ان البراكين تهزأ
حتى من صمت الصخور
ان هي الا صرخة
لتمتلئ بالفُنِق ساحات الحياة
لتعلن بدء النهايات وبدء النشور.
أنا الفلسطيني الأبدي
الشهيد
الحي
العاقل
المتهور
الواحد
الكثير
النابذ
المعطاء
الطائر
الساكن
المتحرك
الينابيع
الأنهر
الباسط
المغيث
الآمل
الحالم
الرافض
الساخر
الهازيء
الساخط
المشاكس
السائل
المجيب
اللاجىء المتجذر في سهول كنعان وجبالها
أنا الفلسطيني
ذات الحياة ونشيد الأمل
والوجود الأصيل .

شاهد أيضاً