سيدي الجنرال.. لقــد اغتصبنـي كلــب

عيسى قراقع

سيدي الجنرال، لقد اغتصبني كلب في سجن سديه تيمان الصهيوني. هذا السجن السري الدموي، فأين أنت؟ أين العدالة العمياء؟ كل ما حولي غوغاء متعطشة للدماء، إنها أكثر من كراهية وأكثر من عنصرية، أكثر من سادية وسلبطة، كلاب مذعورة تزرع ذعرها في داخلي، ويا ليتك معنا يا سيدي لترى الكلاب تمارس الجنس في أجسادنا، كيف ترقص من حولنا، تقفز فوقنا، موسيقى وديسكو وإحتفالات وصور ملونة، دخان وغبار، وترانا يا سيدي نلتهب، وترانا في مطحنة بين آلات عديدة، منا المقتولون، ومنا المغتصبون، ومنا المسحولون والمصابون بالصرع، ومنا المقطعة أجسادهم، منا الأطرش والأعمى والمسطول، ومنا المنهكون بالأمراض الجلدية وبالتعفن، فهل ترانا على الشاشة أو محملين في الشاحنات العسكرية، مكدسين فوق بعضنا بعضاً عراةً ومنهكين، نحن في غابة يا سيدي مليئة بالكلاب وبالجحيم.

 

سيدي الجنرال، لقد اغتصبني كلب، والكلاب لها شهوات جنسية مختلفة عن الإنسان، كلاب لها أنياب ونواجذ وبصاق، كلاب تقرأ المزامير اليهودية والتوراة، كلاب لها إله آخر يختلف عن إلهنا، ولأول مرة أعرف أن رب اليهود رب بلا رحمة، سمعناه وهو يُطلق الكلاب علينا لتنهشنا وتغتصبنا وتلعقنا، وسمعنا أوامره وهو يدعو إلى إبادتنا وقتل نسلنا وسبي نسائنا، يقرأون آيات التوراة ويصلون ويبتهجون، يذبحوننا، ينتشون أمام مشاهد أجسادنا المدمرة المحفورة المشوهة، كلاب تستمتع بنا كما تستمتع العصي والهراوات والبساطير والرفسات والشتائم في حفلات الاغتصاب المستمرة.

 

سيدي الجنرال، من سلمني للكلاب؟ لإبن غفير وسموترتش وعصابة تحكم دولة من البلطجية وشياطين الظلام، هل نحن في المرحلة النهائية التي أخبرتنا عنها، المرحلة التي أصبح الكل فوقنا، الكل يدعسنا، الكل يحشرنا في هذه الزرائب التي تسمى سجون، أو في هذه المسالخ التي انتزعت أرواحنا من أعماقنا، لم نكن يا سيدي نتوقع أن ننحني إلى هذه الدرجة، مكبلين بالأصفاد، ننحني لالتقاط فتات الخبز عن الأرض، ننحني وننبش أسناننا في أي شيء من الجوع، نلحس اللبن ثم ننبح ونحبو على أربع، نتغوّط على أنفسنا، تلاحقنا الروائح القذرة وتتغذى علينا الحشرات.

 

سيدي الجنرال، اقرأ تاريخ التعذيب، فما يجري في سجون ومعسكرات الاحتلال الصهيوني هو فوق التعذيب، فوق الألم، هستيريا التعذيب، التعذيب الدموي وما بعد التعذيب، التعذيب الذي يشوه الكائن البشري، خوزقته، تجميد أحاسيسه وبتر أطرافه، سحل العيون والأنوف والآذان والشفاه، الجسد كله يسلخ والجسد حي، جلّادون يمارسون الانتقام والتلذذ في فنون الانتقام، وكلما هجمت الكلاب على أجسادنا العارية، كلما هاجت أكثر وأكثر، تهدمنا من الداخل والذات قطعة قطعة، وفي أجواء طقوس مرعبة، أضواء كاشفة، روائح قذرة، صراخ ومسبات وأسلاك وإطلاق نار، وكلما عاد جنودهم من غزة مصابين بحالات اكتئاب نفسي ودهشة، كلما أفرغوا حمولتهم المرضية فوق أجسادنا وتحولوا إلى كلاب متوحشة.

 

سيدي الجنرال لقد اغتصبني كلب، وأحد زملائي الأسرى يسألني: أين رام الله؟ قلت له في قفص؟ وأين جنين؟ قلت له في مقبرة، وأين رفح؟ في آخر الأرض، صار يرتجف ويصرخ ويبكي ويضحك، لقد فعلوا كل شيء في جسده وعقله وذكرياته، وأخذ ينادي على عائلته المبادة، على أطفاله وزوجته وأمه وأبيه، ثم دخل في الصمت، جحظت عيناه وهو يرشقني بالأسئلة.

 

سيدي الجنرال، في العصر الصهيوني الفاشي الذي تجاوز حدود المعقول، يجب إعادة تعريف التعذيب، فلم يعد التعذيب مجرد جريمة وحسب، إنه جرائم مركبة ذات كثافة من الطبقات والجلود السميكة، ليس التسبب بالألم وإنما بشاعة الألم، أشياء تدخل وتتحرك في أعماقك وروحك، كلب فوقك، وإن تعب الكلب هناك قنينة أو عصا أدوات للاغتصاب والتعذيب الجنسي، وإن طلبت الماء للشرب فالكلاب تبول في فمك، جلدك ينشف ويصير ذا لون أسود، يتدلى لحمك من عظمك المزرق ويسيل الدم، هوام لاذع يتقلب داخل جسدك، تتفسخ، تتجوف، تصبح جسداً بلا رأس.

 

إن كنت يا سيدي الجنرال زعيماً سياسياً أو قاضياً أو حقوقياً أو كاتباً أو صحفياً أو فقيهاً أو مذيعاً، أرجوك أن تعود إلى العالم داروين وكتابه أصل الأنواع، وقل له: لقد عدنا في الزمن الصهيوني الكلبي إلى العصور الحيوانية، كل ما حولنا كلاب، سعار وتوحش ونباح، وقد تحولنا إلى كلاب، يركبوننا يا سيدي، كلاب مكبلة بالجنازير تزحف في ساحة المعسكر، نلعق التراب والدم ونأكل المخاط، لم نعد كما كنا، انتزعت بشريتنا وصرنا كلاباً، نتعثر ببرازنا، الجوع والعطش كل ما بقي في غرائزنا وذاكرتنا.

 

سيدي الجنرال، لقد اغتصبني كلب، فاخرج إلى الأمم المتحدة وأخبرهم عن نظرية التعذيب الجديدة، الاختراع الصهيوني المبدع، اختراع العار الإنساني والفظاعات المتميزة، التطور الحديث لتحويل الإنسان وجدانياً ونفسياً وجسدياً إلى كلب، وقل له، في معسكر سديه تيمان تغتصب الكلاب الأسرى، فيصابون بمرض الكلب، ويتحولون إلى كلاب، نظرية تستحق دولة إسرائيل عليها أكبر جائزة علمية لم تشهد مثلها العصور القديمة ولا الوسيطة.

 

……….

سيدي الجنرال، اقرأ تاريخ التعذيب، فما يجري في سجون ومعسكرات الاحتلال الصهيوني هو فوق التعذيب، فوق الألم، هستيريا التعذيب، التعذيب الدموي وما بعد التعذيب، التعذيب الذي يشوه الكائن البشري…

شاهد أيضاً