اندلعت شرارة الحرب الايرانية الاسرائيلية مؤخراً بقيام إسرائيل بشن هجمات جوية مدمرة على إيران، وأطلقت إسرائيل على هذه العملية اسم “الأسد الصاعد”، وهدفت كما أعلنت تل أبيب الى القضاء على البرنامج النووي والصاروخي الإيراني. وحتى هذه اللحظة، دمرت إسرائيل مئات من الأهداف النووية والصاروخية الإيرانية، واغتالت العديد من قادة الدولة العسكريين وعلماء الفيزياء النووية، بينما قامت طهران بتوجيه ضربات محدودة التاثير من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة خلال الليلتين الماضتين رداً على الهجوم الاسرائيلي.
وبرغم أنه من المبكر تحديد نتائج هذه الحرب، الا أن بعض النتائج يمكن توقعها بالنظر الى ميزان القوى بين الطرفين، وهذه النتائج هي:
– نجاح إسرائيل بإبطاء المشروع النووي الإيراني لأكثر من عشرين عام على الأقل، وبالتالي فإن أي مفاوضات مستقبلية حول هذا البرنامج لن تكون الا توقيع على خلو ايران من أي برامج نووية بما فيها عمليات تخصيب اليورانيوم.
– تراجع القوة الصاروخية الايرانية الى درجة كبيرة، حيث إن مخزون إيران من الصواريخ الباليستية لا يتعدى 2000 صاروخ فقط حسب رأي الخبراء، وهو الأمر الذي سيؤدي الى ضعف قدرات ايران في الرد على الهجوم الاسرائيلي لقترة طويلة لاسيما في غياب القوة الجوية الايرانية.
– ظهور اسرائيل كقوة مسيطرة في الشرق الأوسط في نظام شرق أوسطي جديد تستطيع فيه فرض هيمنتها ونفوذها على العديد من دول الشرق الأوسط، لاسيما أنها نجحت بمفردها في ضرب إيران، وهو الأمر الذي يتطلب قوة جوية كبيرة جدا وقنابل تزن عشرات الالاف من الأطنانً لطالما شك المراقبون بوجودها عند اسرائيل. وفي هذا الإطار، فإن تسمية هذه المعركة بالأسد الصاعد له دلالته المميزة على إيمان إسرائيل العميق بأنها اذا قضت على التهديد الايراني فإنها ستنفرد في هيمنتها على المنطقة ككل.
– أفول التأثير والنفوذ الايراني في المنطقة، وخاصة أنها فقدت خلال العامين الماضيين أهم أذرعها العسكرية في المنطقة مثل حماس والحوثيين وسوريا الأسد وحزب الله، وهو الأمر الذي لم يعد يمكنها من التأثير على إسرائيل كما كان كان الحال عليه في العقود السابقة.
وفي الاطار السابق، هنالك عدة سيناريوهات يمكن أن تحدد مسار الحرب الاسرائيلية الايرانية وهي:
أولاً: عودة إيران الى المفاوضات مع الجانب الأمريكي من أجل التوصل الى اتفاق ينهي الهجوم الاسرائيلي مقابل تعهد إيران بعدم تخصيب اليورانيوم.
ثانياً: اعلان اسرائيلي بتوقف الهجمات من جانب واحد بدون التوصل الى اتفاق سياسي مع إيران التي ستوقف هجماتها المضادة اذا ما أوقفت اسرائيل الحرب كما أعلن رئيس الدولة الايراني مسعود بزشكيان، حيث تكتفي إسرائيل بهذه الحالة بإبطاء مشروع إيران النووي لعقود طويلة دون الحاجة الى توقيع اتفاق سياسي، بينما ستنظر إيران الى أي اتفاق يقيد قدرتها على تخصيب اليورانيوم بأنه اعتراف صريح منها بأنها هزمت في هذه المعركة، وهي الحالة التي لا تريدها طهران.
ثالثا: قيام ايران بتوسيع الصراع سواء بإغلاق مضيق هرمز أو ضرب القواعد العسكرية الامريكية في المنطقة، الا ان هذا السيناريو سيكون ذا تكلفة عالية، حيث ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالرد العنيف عليها دون قدرة منها لمواجهة القوة الأمريكية الكبيرة.
رابعاً: قيام طهران بإثارة حالة عدم الاستقرار والفوضى في الدول العربية المجاورة مثل الاقليات الشيعية في العراق والكويت وعمان والبحرين وسوريا، وهذا السيناريو محكوم بطرق تعامل الأنظمة العربية مع هذه الحراكات الشعبية، وأعتقد ان لا فرصة حقيقية لنجاح مثل هذه الحراكات الشعبية في ظل المتغيرات الحالية .
خامسا: قيام اسرائيل بتوسيع نطاق أهداف الحرب اذا ما شعرت بأنها قادرة على استيعاب صدمة الضربات الصاروخية أو أي مفاجئات أخرى، وهذا قد يتصل بضرب المباني الحكومية ومحطات توليد الكهرباء وأبار الغاز. وربما في وقت لاحق، قد تتطور أهداف إسرائيل الى تغيير النظام لاسيما أنه من الواضح وجود قوات موساد وعملاء تعمل في إيران، إضافةً الى تنامي رغبة المعارضة في الانقضاض على النظام اذا ما استشعرت ضعفه.
في الواقع، أعتقد أن أقرب سيناريو للتحقيق هو السيناريو الثاني، (توقف الحرب دون الوصول الى اتفاق)، حيث تفضل إيران عدم التوقيع على اتفاقية تمنع برنامجها النووي من إنتاج قنبلة نووية بينما تكتفي إسرائيل بتعطيل قدرات إيران النووية لعقود قد تكون طويلة. وفي هذه الحالة تظهر إيران أمام شعبها وحلفائها بانها لم تهزم وبأنها مصرة على الاستمرار بتخصيب اليورانيوم دون إعلان صريح عن حجم الخسائر التي مني بها برنامجها النووي والصاروخي.