شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام

بهاء رحال

عاد شتاء غزة للعام الثاني على التوالي، والحرب لا تزال مستمرة، والناس وسط العراء في مراكز النزوح وخيام المُهجّرين التي لا تقي من البرد ولا تمنع البلل، ولا تحمي من القصف، ولا تبدد وحشة الليل ووحل الحرب المستعرة بكل دمويتها وبشاعتها، وفق أجندات عنصرية لا تريد لها أن تتوقف، بل تدفع بمزيد من القصف والقتل في إطار عمليات التطهير العرقي، وتهجير الناس لتسهيل عمليات القضم وضم المناطق التي تخطط لضمها حكومة الاحتلال، وفق ما بات يعرف بخطة الجنرالات الخاصة برسم جغرافيا جديدة لغزة، تحت ذرائع واهية.

شتاء قاسٍ، بارد وماطر على الصغار والكبار، وعلى النساء والرجال، وواقع حال صعب في غزة التي تتواصل فيها حرب الإبادة الجماعية، حيث الجوع والحصار والأمراض، وتحت القصف المتواصل، والحرب التي لم تتوقف ولم تهدأ فصولها لا صيفًا ولا شتاءً، وها هو الشتاء الثاني يدخل ببرده ومطره وصقيعه، بينما يبحث الناجون من الموت عن مأوى دافئ ولا يجدونه، فغزة اليوم تفتقر لكل مقومات الدفء وكل مقومات الحياة، فكيف للصغار والكبار أن يتدثروا ولا لباس لديهم ولا أغطية، ولا مواقد نار، وبيتهم خيمة مصنوعة من قماش، وكلما هطل المطر غرقوا في الوحل.

حياة الناس في غزة بين فكي القصف والحصار، الجوع والموت، البرد والعراء، وصمة عار على جبين الإنسانية التي ترى وتشهد كل ما يحدث من بشاعة وموت في غزة، ولا تتحرك لرفع الظلم ووقف الحرب، وإنهاء المعاناة التي تقبض على أرواح البشر، وترفع أعداد الشهداء والجرحى، وتزيد من سطوة الظلم الواقع عليها.

إن الواقع الصعب الذي يعيشه الناس في غزة فاق حدود التصور، وقد فقدوا قدرتهم على احتمال المزيد من ويلات الحرب والخراب الذي عاشوه ولا زالوا يعيشونه، مضطرين على الاحتمال رغم أنه مستحيلًا في الزمن المنكس باجترار الألم والفقد، فلا مفر أمامهم وسط كل هذا الصمت الذي أطبق على المجرة، وفي ذهول يتابعون أيامهم وهم يشهدون عجز القانون الدولي وعجز العالم بدوله وهيئاته ومواثيقه عن وقف الإبادة التي يتعرضون لها.

إن الواقع اليوم يستدعي أن يعيد العالم نظرته في انحيازه، وأن لا يبقى ينظر بعيون أمريكية، بل بعين الحقيقة وعين الانحياز للإنسانية، فغزة اليوم أحوج ما تكون إلى جملة من القرارات في مقدمتها وقف الإبادة على وجه السرعة، وإدخال المساعدات الأولية الطارئة، كي يتمكن الناس من لملمة بقاياهم، ووقف نزيف القتل والموت، والحفاظ على أرواح من بقوا على قيد الحياة.

ليس الأمر مستحيلًا إذا قرر العالم أن يخرج عن دوائر الصمت والانحياز، وأن يفرض وقفًا لكل أشكال القتل والقصف والإبادة، ولكن هذا يتطلب قرارًا جادً وموقفًا دوليًا تحتاجه غزة هذه الأيام وأكثر من أي وقت مضى.

شاهد أيضاً