سجلت العديد من المقالات في “القدس العربي” منتقداً اصطفاف الرئيس بايدن ونائبته وإدارته الصارخ، وتباري وتسابق هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي مع منافسها ترامب بالتواطؤ وتقديم فروض الولاء والطاعة بدعم حرب إبادة نتنياهو وإراقة دماء الفلسطينيين واللبنانيين بسلاح وتمويل وغطاء سياسي أمريكي.
من مقالاتي: تهور نتنياهو يورط بايدن وإرثه… ويجر المنطقة لحرب. نتنياهو المأزوم يتحدى المؤسسة العسكرية… ويستفز الحليف بايدن! المشكلة ليست نتنياهو وبايدن بل أمريكا وإسرائيل. إسرائيل عبء استراتيجي مكلف على أمريكا والغرب. وأمريكا تخسر معركة كسب عقول وقلوب العرب. وهناك المزيد من المقالات في “القدس العربي” وغيرها.
واليوم تدخل حرب الإبادة على غزة ولبنان عامها الثاني وتجرؤ نتنياهو وزمرة متطرفي حكومته الأكثر فاشية باستنساخ تجربة غزة المميتة في لبنان والتهديد باستهداف وضرب منشآت إيران الحساسة وخاصة قطاعات الطاقة وحتى المنشآت النووية لإشعال حرب إقليمية شاملة تتحمل إدارة بايدن المسؤولية الكبرى لعجزها عن منع نتنياهو وزمرته المتطرفة من التغول بالقتل والتنكيل في عام انتخابات حاسم لا يمكن للديمقراطيين خسارته.
والأنكى يعلم بايدن وهاريس أن نتنياهو يفضّل فوز ترامب بالرئاسة وعودته إلى البيت الأبيض في يناير المقبل ليمنحه شيكا على بياض ويطلق يده ليصعد حربه الوحشية. واضح أن نتنياهو أتقن فن تحدي وإغضاب وإهانة بايدن علناً بتجاهل مطالبه بوقف الحرب لخدمة مصالحه الشخصية والبقاء في منصبه، ليتكرر خضوع بايدن وقبوله بتجاوزات نتنياهو.
ويستمر تصعيد نتنياهو بلا هوادة، ويجبر الفلسطينيين واللبنانيين على النزوح عدة مرات. لم يعد هناك مكان آمن في غزة، وآخره تطبيق خطة الجنرالات الوحشية بإجبار سكان شمال غزة المحاصر والنازف والجائع بقصف وحشي متعمد للمستشفيات ومراكز الإيواء ومدارس الأونروا ومنع دخول إمدادات الغذاء في مخالفة صارخة لقرار مجلس الأمن 2735 تبنته الولايات المتحدة في مايو/آيار الماضي!
ورغم وصف السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة للمرة الأولى “الوضع في غزة بـ “الكارثي” Catastrophic)) وتعارض التصعيد مع القوانين الأمريكية “يُمنع توريد صفقات أسلحة لأي دولة بعدما يُبلّغ الرئيس أن الحكومة (إسرائيل) تمنع وتقيّد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة المساعدات الإنسانية الأمريكية”! وهذا ينطبق على إسرائيل حرفياً، بتعمدها وبدعم وسلاح وغطاء أمريكي وبترهيب ومنع إدخال المساعدات الضرورية لقطاع غزة، بل تتعمد قصف المستشفيات ومدارس الأمم المتحدة ومراكز الإيواء وخيام النازحين.
الصادم هو امتناع إدارة بايدن المتواطئة حتى تطبيق القوانين الأمريكية التي تستمر إسرائيل بتحديها وخرقها لتحمي إسرائيل. حسب الاحصائيات – يرفض البنتاغون – (وزارة الدفاع) الإفصاح عن حجمها والأموال التي خُصصت لصفقات الأسلحة لإسرائيل منذ شنها حرب الإبادة على غزة في أكتوبر 2023 بما فيها ذخائر تستخدمها إسرائيل لاستهداف المدنيين وخاصة قنابل زنة 900 كلغ على مناطق مكتظة بالمدنيين كما في رفح ومخيم النصيرات وحتى في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث قتلت مئات المدنيين الأبرياء، فيما يمتنع الجيش الأمريكي عن استخدامها في المناطق السكنية!! بالإضافة لاستخدام سلاح الفوسفور الأبيض المحرم استخدامه في الحرب.
ينحاز بايدن ووزير خارجيته ووزير دفاعه لإسرائيل برغم تصميم نتنياهو على إقحام إدارة بايدن وجرها لحرب ضد إيران باستمراره باستفزاز إيران التي أجبرت على الرد مرتين بقصف صاروخي غير مسبوق في أبريل/نيسان الماضي، وخاصة بقصف نوعي بصواريخ بالستية مطلع أكتوبر/تشرين الأول انتقاما لاغتيال إسماعيل هنية في طهران في يوليو/تموز الماضي واغتيال حسن نصرالله في معقل حزب الله في بيروت نهاية سبتمبر/ايلول الماضي ليهدد نتنياهو ومجلس حربه برد قاس ومدمر على إيران مع مطالبات بايدن بعدم استهداف منشآت إيران النفطية والطاقة ومنشآتها النووية.
الواقع الصادم أن من يتحكم في العلاقة حسب نظرية “المعضلة الأمنية” هو الحليف القوي تجاه الحليف القوي الذي يعاني من عقدتين، عقدة الهجران والتخلي وعقدة العلق في فخ والانصياع لمطالب الحليف القوي. ولاستثنائية خصوصية العلاقة بين الحليف القوي الولايات المتحدة والحليف الضعيف (إسرائيل) فإن تل أبيب تتحكم بالعلاقة وتفرض قرارها على الحليف الأمريكي الضعيف!
لقد بلغ الصلف بنتنياهو مخاطبته الإيرانيين باللغة الانكليزية للانتفاض على نظام آيات الله! وكرر مخاطبته للشعب اللبناني لينقلبوا على حزب الله، وإلا فليتوقعوا حرب إبادة!
والمقزز صار نتنياهو وعصابته الفاشية يرهبون اللبنانيين والآخرين باستنساخ نموذج غزة الوحشي والدامي في لبنان، ومن لا يرضخون لبلطجة وعربدة الصهاينة وحرب إبادتها الثانية!
وهكذا يساهم تواطؤ وشراكة بايدن وإدارته وسلاحهم في تجرؤ نتنياهو على ضرب مواقع قوات حفظ السلام (اليونيفيل) داخل لبنان، ومعظمها إيطالية وفرنسية وأوروبية! ومعه صمت دولي وعجز وصمت وخذلان عربي!
وكان لافتا خضوع وتزلف نائبة بايدن كامالا هاريس ومنافسها دونالد ترامب في خطبهما في الذكرى السنوية الأولى لعملية “طوفان الأقصى” بقيادة كتائب القسام والجهاد الإسلامي بتكرار التأكيد الولاء الكلي لإسرائيل والوقوف معها ودعمها وحقها بالدفاع عن نفسها!
يُضاف لذلك انحياز الإعلام الأمريكي الرئيسي ومعه الإعلام الغربي بالمشاركة بحملة التضليل وتجنب فضح وإدانة جرائم إسرائيل. عندما تكتب صحف كنيويورك تايمز وواشنطن بوست وتعرض محطات مثلCNN وشبكات إخبارية أخرى قتل عشرات المدنيين في غزة ولبنان ولا يشيرون إلى من القاتل! ووصل الأمر ببرنت ستيفنز ليدعي في مقاله في نيويورك تايمز “العالم يدعم انتصار إسرائيل”!
بينما تراجعت إدارة بايدن والإعلام الغربي برمته، عن المطالبة بوقف الحرب والاكتفاء بعدم استهداف المدنيين بعد قتل آلة الإبادة الإسرائيلية 50 ألفا في غزة وأكثر من 2000 في لبنان! بل حرّض ترامب إسرائيل بمزايدة متهورة استهداف منشآت إيران النووية منتقدا بايدن لرفضه توجيه ضربات لمنشآت إيران النووية والنفطية ليحثهم: “أضربوا أولاً وفكروا ثانيا”!
عجز الرئيس بايدن عن ممارسة دور القيادة، وتواطؤه، والصمت الدولي والخذلان العربي يقرب المنطقة من حافة الانفجار، ويشجع نتنياهو وزمرته المتطرفة بإشعال حرب مع إيران وأذرعها، وتهديد مصالح أمريكا، وخسارتها مكانتها ومصالحها ومصالح حلفائها واستقرار المنطقة!
٭ استاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت