شرق أوسط بلا إسرائيل: سقوط الدور والوظيفة

بقلم: د. عبد الرحيم جاموس

نحن مقبلون على شرق أوسط جديد تتغير فيه موازين القوة وتتهاوى فيه الأدوار القديمة، وفي مقدمها الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي الذي أُقيم في جوهره لخدمة مشروع استعماري غربي في المنطقة.
لم تكن إسرائيل دولة طبيعية بالمعنى التقليدي للسيادة؛ بل شكلت أداةً وظيفية لحماية مصالح قوى خارجية، ومنع تشكل وحدة عربية أو نهضة أو دولة فلسطينية مستقلة.
اليوم، ومع تراجع النفوذ الأمريكي وتبدّل مواقف اللاعبين الإقليميين والدوليين، بدأت هذه «الوظيفة» تفقد مبرّر وجودها.
الولايات المتحدة التي وفرت لتل أبيب درعاً سياسياً وأمنياً لم تعد بالقوة نفسها؛ وظهور أقطاب جديدة وإعادة ترتيب للتحالفات يضعان حدّاً لحكم المعيارية أو الأحادية القطبية ، التي عملت على تكريس المشروع الصهيوني.
هذا التحول في مركز الثقل الدولي ينعكس بالضرورة على شرعية الكيان وقدرته على الاستمرار بوصفه أداةً لسياساتٍ خارجية.
التصعيد الحالي والعنف المتزايد ضد الفلسطينيين وغيرهم ليس علامة قوة، بل علامة ضعف وانهيار داخلي.
كلما ضاقت الخيارات أمام الكيان، ازداد توتّره وتوحّشه، محاولاً تعويضاً عن فقدان أرضيته الاستراتيجية والسياسية.
الصهيونية تواجه اليوم أزمة شرعية وهوية: انقسامات داخلية بين أطر سياسية ومجتمعية متباينة، تلازمها صراعات حول مستقبل المشروع وعلاقته بالمجتمعات اليهودية داخلياً وخارجياً.
المشهد الدولي أيضاً يتغير: الرأي العام العالمي بات أكثر وعيًا بالبعد الاستعماري لمشروع الاستيطان، ومواقف عدد من الباحثين والمؤرخين اليهود تضع اليد على الجرح، معتبرة أن استمرار هذا المشروع في شكله الحالي غير قابل للاستمرار على المدى الطويل. التاريخ يسجل أمثلة على زوال أنظمة بنيت على العنف والاغتصاب؛ وإنّما السؤال اليوم هو عن شكل الزوال ومسار العدالة وإعادة الحقوق، لا عن حقيقة نهاية مشروع بني على القهر.
عودة فلسطين إلى فلسطين ليست مجرد شعار بل ضرورة تاريخية وأخلاقية.
حين تفقد أي قوة وظيفتها كأداة لتثبيت هيمنة خارجية، فإن سقوطها يصبح مسألة زمنية ومنطقية. أما منطق الصراع الحقيقي فليس صراع كيانات بل صراع حقوق وكرامة وإنسانية، وبهذا المعنى يشتدّ الإصرار على أن تتحقق المصالحة بين الشعب وحقوقه، وأن تُستعاد الأرض والحقوق أمام مجتمع دولي جديد يتشكل بمرجعيات مختلفة.
اذاً : نحن أمام مرحلة انتقالية مفصلية، انهيار الدور والوظيفة التي وفّرت غطاءً للمشروع الصهيوني لم يعد أمراً افتراضياً بل واقعاً يتبلور في معطيات السياسة الدولية والإقليمية والمجتمعية ،
وكلما ازداد عنف الردّ الأخير، ازداد يقين أن هذا العنف مجرد مقدمة لمرحلة جديدة من إعادة التوازن. التاريخ لا يرحم المشاريع المبنية على الاغتصاب والباطل؛ والزمن كما هي الحقيقة، يعمل لصالح استعادة الحقوق وإعادة فلسطين إلى أهلها.
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض 11/11/2025 م