شرّ القراءة و الحيوات!

بكر أبوبكر
بكر أبوبكر

لطالما كانت القراءة واحدة من مهام الانسان اليقِظ عامة، ومنه الكادر السياسي ولطالما كانت تنمية الذات والشخصية، وقدح زناد الفكر والحصول على قدر محترم من المعارف أداة للوعي وامتلاك أطراف الثقافة العامة لأنه بدون الثقافة لا يعلم الثائر والمكافح والمقاوم والمجاهد كيف ينظر شمالًا ويمينًا، بعيون مفتوحة. بل ولا يعلم كيف ينظر بالاتجاهات الستة (أي الأربعة المعروفة، وفوقه وتحته كاتجاهات) ومن هنا يبرز دور المنهج العقلي وأهميته حين النظر والتفكر.
لذاك كانت القراءة في القديم والتراث القومي والديني والحضاري، ومنه في إطار أدبيات المنظمة (التنظيم) السياسي قراءة واجبة ليس للحفظ والتمثل فقط، بل للاستفادة والعبرة وامكانية النقد حيث وجب.
إن المراحل تتغير بأحداث الزمن، والفكر يتغير مع عمق التجربة وعميق القراءة وكثير التفكر والتأمل والتدبر.
ومن لا يتفكر يجلس على جدار التاريخ لا يتخطاه.
أما مَن يتجدد بماء النهر يوميًا فهو القاريء بعمق الذي لا يوفر فرصة للاستزادة، جامعًا بين القديم الثري والمتفاعل، والجديد في المسار أو المسارات والبدائل، وناظرًا أبدًا نحو تطوير ذاته وتحصين موقعه وناهدًا نحو التقدم للأمام.
بالحركة التي انتمى لها غالب الشعب العربي الفلسطيني لأنها منه وله وتشبهه، وهي أمه او اخته كما قال آية الله هاني فحص رحمه الله، نجد التنوع الجميل ونجد التفقّه بالدليل.
ونجد بالمقابل كثير من النباتات المتسلقة والانتهازيين والطفيليات الواجب التصدي لها بلا هوادة بالطريقة المتبعة (داخل الأطر) وحسب تقدير الموقف وميزان الوسيلة.
نجد في حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح الاختلاف الجامع بين يسار ويمين، ومتى ما توقف التنوع وتوقفت تعددية الرأي في المساحة المقبولة عن الظهور، فالتنظيم الى ضمور.
لأنه باحتكاك الافكارالمتنوعة والملونة وصراعها نحو الفوز بالحوار والاتفاق ضمن معادلة الكل المختلف نحو الهدف الواحد تسود القضية وتتعملق الفكرة.
القراءة هي مما لاغنى عنه للإغناء الذاتي والجماعي بكافة الاتجهات، وهي مما لا غنى عنه لتحقيق الفهم المتطور والتحليل وإدراك المتغيرات او المستجدات التي هي من مميزات القائد فمن لا يدرك المتغيرات أو المستجدات هو والعامة صنوان، أو هو واحد ممن سمّاهم علي بن أبي طالب (رض) “الهمج الرعاع” واحد، وما نحن وبحسبه أيضًا الا “متعلمون على سبيل نجاة” ان تركنا الصنف الثالث أي “العلماء” لأساتذتنا بالفكر والسياسة والدين والثقافة والادب والعلوم.
الفكرة هنا أنك بلا قراءة تتأخر، أوتجمد وتتكلس وتصبح مجرد آلة تسجيل تسترجع ما استظهرته الذاكرة دون تغيير أو تعديل، أو إضافات هي يوميًا تضيف الكثير.
إن القراءة حيوات (جمع حياة) الى حياتك وكما كان يبتغي الحصول عليه الأديب والمفكر الكبير عباس محمود العقاد، وحيث يقول الأديب مصطفى صادق الرافعي: “ليكن غرضك من القراءة اكتساب قريحة مستقلّة، وفكر واسع، وملكة تقوى على الابتكار، فكل كتاب يرمي إلى إحدى هذه الثلاث فاقرأه”.
لك أن تعلم أن القراءة فيما لا فائدة منه شرّ (كما الحال بالنظر)، والقراءة لكل ما هب ودب وبلا مصدر أو مرجعية واضحة عبث، والقراءة بلا منهج علمي ومرجعية واضحة لديك هدرٌ للوقت.
اختر كتابًا (أو دراسة أو مقالة…) تحبه ويحبك من العنوان والنظر في المحتويات وبعد التصفح الاوّلي، واقرأ متى ما شدّك الكاتب بأسلوبه وجعلك تفكر أو تتأمل، أو تتعجب، أو تبتسم او تبتهج، ولا تركن للأفكار الواردة كمسلمات وإنما اجعلها تدخل في إطار شبكتك ومنخلك (مصفاتك) المرتبط بالعقدي الثابت والوطني الحازم والمنهج الواقعي.
ومن هنا نعيد القول أن القراءة بالقديم والجديد والمقارنات وتعلم الاستظهار للأفكار الهامة، وتعلم الابداع والنقد، وتطوير المنهج العقلي اليوم القائم على التحقق والتمحيص والفرز والتنخيل يعد من أساسيات القراءة الهادفة لمزيد من الوعي واكتساب النور وخاصة في حالة فلسطين وثوارها ومقاوميها الذين يحملون الرواية العادلة بين جوانحهم يقاتلون بها عدو العالم الحر.
بكر أبوبكر
رئيس أكاديمية فتح الفكرية

تابعنا عبر: