صحيفة عبرية: ما الاستسلام الذي يريده ترامب من إيران

السياسي – أعلن الرئيس الأمريكي ترامب بأنه ينتظر “استسلاماً غير مشروط” لطهران. وقد تم الرد عليه بشكل قاس لا يقل عن ذلك من الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي. “الرئيس الأمريكي يهددنا. ببلاغته التافهة هذه، يطلب من الشعب الإيراني الاستسلام. عليه أن يهدد الذين يخافون من التهديد. الشعب الإيراني لا يخاف من مثل هذه التهديدات”، أعلن خامنئي. ولكن هذه الحوارات العلنية والتهديدات المتبادلة في الفترة الأخيرة بين ترامب وخامنئي لا توضح هذا “الاستسلام المطلق” الذي يطلبه ترامب وما الذي ستحصل عليه إيران في المقابل.

هل يجب على إيران إعلان موافقتها على “خطة ويتكوف”، التي ستسمح لها بمواصلة تطوير برنامج نووي مدني بدون تخصيب اليورانيوم في أراضيها، والعودة إلى المسار الدبلوماسي الذي عرضه ترامب؟ أم يطمح ترامب إلى استخدام نجاح إسرائيل العسكري والدمار الذي لحق بالمواقع النووية بهدف استكمال المهمة والمطالبة بتفكيك كامل لكل مكونات المشروع النووي الإيراني؟ في هذه المرحلة، يبدو أن الاحتمالين لا يتساوقان بالكامل مع تطلعات إسرائيل، التي تشمل أيضاً تدمير النظام وتأسيس “نظام جديد” في إيران، وبعد ذلك في كل الشرق الأوسط.

رواية إسرائيل تقول بأنه بقي “فقط” تدمير منشأة تخصيب اليورانيوم في فوردو، وهي العملية التي تحتاج إلى تدخل عسكري أمريكي مباشر. هذا الهجوم استهدف الكبح وربما أيضاً تدمير المكون الرئيسي في المشروع النووي. هذه الخطوة قد تجسد هدف ترامب الأساسي، وهو منع إيران من الحصول على السلاح النووي. ولكن الهجوم وحده لن يؤدي إلى تغيير النظام كما تتطلع إسرائيل، ولا يقين الآن من أن ترامب مستعد للانضمام لهذه الخطوة.

من ناحية إسرائيل، هذه ليست “خطة مراحل”، بل عملية هجومية ستتم بصورة موازية حسب النموذج الذي عملت فيه إسرائيل ضد حزب الله أو حماس. ومثلما عملت حتى الآن عندما صفت قادة جهاز الأمن في إيران، فهي مستعدة للعمل أيضاً ضد القيادة السياسية. ترامب لم يظهر حماسة حتى الآن. الثلاثاء، غرد بأنه يعرف مكان خامنئي، وأنه هدف سهل. “هو آمن هناك، ولن نذهب إلى تصفيته، على الأقل ليس الآن. لا نريد أن تطير الصواريخ فوق المدنيين أو المس بالجنود الأمريكيين”،

كتب وقيل الكثير حول تقلب ترامب. ولكنه يفضل حتى الآن إبقاء شريك في إيران يمكن عقد “صفقة استسلام” معه بدلاً من عدم اليقين الذي سيتطور عند قتل خامنئي.

الاطلاع على التقارير المفصلة في “نيويورك تايمز” وعلى عملية اتخاذ القرارات لدى ترامب، وعلى الخلافات بين متخذي القرارات في البيت الأبيض، والمؤثرين ورجال الإعلام المقربين من أذنه وقلبه، يولد الانطباع بأن ترامب انجر إلى هذه الحرب. يبدو أنه انجر وراء مبادرة إسرائيل وانتظر كيف ستتطور، وهو يعطي توجيهات لرجاله ويوجه سياسته من خلال الحركة. حتى الآن، لا يبدو أن الإدارة الأمريكية في الطريق إلى طرح صورة متبلورة ومتفق عليها، سواء لكل الطلبات التي يجب طرحها أمام إيران أم بالنسبة لليوم التالي للحرب.

قد تستخلص إسرائيل من ذلك أن بإمكانها مواصلة وإملاء وتيرة الحرب وأهدافها، بالضبط كما فعلت في قطاع غزة. وفي تلك الساحة، اتبع ترامب نفس المقاربة، “لننتظر ونرى”. عندما استخدم الضغط أو طلب تغييرات كانت هذه التغييرات تتعلق بخطوات تكتيكية مثل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولكنه لم يطالب بوقف الحرب. قال ترامب أمس إن إيران عرضت الالتقاء معه، وحتى عرضت الذهاب إلى البيت الأبيض لإجراء المفاوضات. وقال عن ذلك: “تأخر هذا الآن”، وأنه لا يريد القول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستهاجم إيران. ترامب وإسرائيل لا يمكنهما الاعتماد على بديل حاكم في إيران، كما لا تلوح أي إشارات لعصيان مدني يضاف إلى الضربات العسكرية ويحدث ثورة من الداخل.

يصعب التصديق بأنه في أقل من نصف سنة منذ دخوله إلى البيت الأبيض، وجد ترامب نفسه بدون ثروة دبلوماسية تشير إلى إنجازات. هذا هو الشخص الذي وعد بصنع السلام العالمي، ويؤدي على الأقل إلى وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، والتوقيع على اتفاق نووي جديد وأكثر تطوراً مع إيران، وسحب القوات الأمريكية من المنطقة “التي لا يوجد فيها إلا الرمال”. عملياً، يبدو أنه يتابع الأحداث ولكنه لا يشكلها أو يمليها. ليس من نافل القول التذكير في هذا السياق بـ “معالجة الصدمة” التي منحها ترامب لنتنياهو، التي أبلغ فيها ترامب عن وقف إطلاق النار الذي حققه مع الحوثيين وعن البدء في المفاوضات مع إيران. هذه التصريحات ولدت انطباعاً بأنه يملك خطة منظمة ومبنية لإسرائيل. حسب رأيه، فإن إخراج الخطة إلى حيز التنفيذ يسمح له بحبس نتنياهو وزيلينسكي الذي أهين بشكل فظ في نفس قفص الذين لفظهم ترامب. ولكن هذا الموقف كان مؤقتاً أيضاً.

الانقلاب الذي عرضه ترامب في مقاربته تجاه بوتين (“لا أعرف ماذا حدث له بحق الجحيم”، غرد ترامب في 25 أيار، وحتى أنه هدد بفرض عقوبات على روسيا)، وتجاه نتنياهو والحرب ضد إيران، فهي وليدة عامل ترامبي معروف – “نفاد الصبر” – عندما لا تتقدم الصفقة بالوتيرة التي خطط لها. بأثر رجعي، يمكن القول إن “الذخر الاستراتيجي” تآكل بشكل كبير وهو الأهم الذي يمسكه ترامب بيديه. نفس عدم اليقين يرافقه الخوف مما سيقرر صاحب البيت الذي أصيب بالجنون بفعله في اليوم التالي، وحتى في الساعة القادمة. تحول عدم اليقين إلى المكون المؤكد في سياسة ترامب، وهو الذي يعطي إسرائيل القدرة على تثبيت حقائق على الأرض، ما دامت تعرض إنجازات.

لكن مثلما عرفت إسرائيل كيفية استغلال عدم اليقين لدى ترامب، وتشن الحرب ضد إيران، فسيكون عليها أيضاً عرض صورة نهاية مرضية له. أمس، نشر أنه أوضح لزعماء دول الخليج بأن الولايات المتحدة لن تهاجم إيران إذا لم تقم الأخيرة بمهاجمة أهداف أمريكية. هنا، يكمن خوف كبير آخر من رد إيران، التي تحذر من أنها ستهاجم أهدافاً أمريكية وستشل الملاحة في الخليج الفارسي. من هنا، المسافة قصيرة إلى حرب إقليمية.

حتى الآن، يبدو أن الضغط الكبير الذي تستخدمه دول الخليج لا يساعد، لكنها تستمر في التمسك بموقفها الحازم، وعدم السماح باستخدام أراضيها لمهاجمة إيران. هذا الموقف لا تداعيات عملياتية له؛ لأن الولايات المتحدة لا تحتاج بالضرورة إلى استخدام أراضي الدول العربية لمهاجمة إيران. ولكن الانجرار إلى حرب إقليمية قد يكون له انعطافة تجبر ترامب على وضع إشارة “قف” أمام إسرائيل – حتى لو لم تتحقق كل أهداف الحرب.

تسفي برئيل

هآرتس 19/6/2025