صراع الرؤى السياسية في الشرق الأوسط

حميد قرمان

ترزح منطقة الشرق الأوسط تحت فوضى ارتدادات ما نتج عن هجوم السابع من أكتوبر وما تلاه من حرب أقصت أركان ومليشيات المحور الإيراني، الذي سيطر في وقت من الأوقات على أربع عواصم عربية في سبيل تتويج إيران كشرطي للإقليم، ليحل المشروع التركي محل الأجندات الإيرانية في ساحتين: سوريا وغزة. فتمدد النفوذ التركي في سوريا يحتاج إلى ساحة رديفة تتوفر في قطاع غزة شروطها التي تتناسب مع ما تسعى إليه أنقرة من تثبيته، بتوافق مع أنظمة عربية وإقليمية، لمنع إسرائيل من الانفراد بتحديد قواعد شرق أوسط جديد.

الصورة لم تكتمل بعد، والجميع أمام حقيقة دنو الفصل الأخير من الصراع، إما بحرب خاطفة وقوية على ما تبقى من حزب الله، أو بضربات عسكرية مكثفة لإضعاف القوة الإيرانية التي لم تستطع حتى الآن استيعاب حرب الاثني عشر يومًا.

بخروج إيران وأبرز مليشياتها من دائرة الصراع، تدرك الولايات المتحدة الأميركية عدم قدرة إسرائيل على بسط نفوذها وسيطرتها في دول الفلك الإيراني سابقًا، لذلك منحت لأنقرة الضوء الأخضر للتواجد في سوريا، انطلاقًا من واقع علاقاتهم التحالفية لإسناد نظام أحمد الشرع حفاظًا على مكتسبات الصراع، دون إغفال مصالح تل أبيب التي تحتاج إلى شركاء جدد يقاسمونها التركة الإيرانية في المنطقة. ويأتي ذلك خاصة في ظل نتائج زيارة المبعوث الأميركي توم باراك لتحديد مسار حكومة بنيامين نتنياهو في التعاطي مع دمشق، قبيل الاجتماع المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتنياهو أواخر هذا الشهر، الذي سيمنح إسرائيل الهامش لإنهاء ما بدأته في جنوب لبنان مقابل إعطاء نظام أحمد الشرع نوعًا من الاستقرار كمدخل نحو توسيع دائرة السلام، التي يراهن عليها الرئيس ترامب قبيل ترشيحات جائزة نوبل للسلام العام المقبل.

إدارة ترامب أمام مهمة ليست بالمستحيلة: تحقيق توليفة سياسية بين رؤى تتصارع في الشرق الأوسط؛ رؤى إسرائيلية وتركية وعربية. فالمربع العربي—السعودي، الإماراتي، الأردني، المصري—يرى أن إمكانية الدبلوماسية أكبر في فرض أفق الاستقرار والسلام في المنطقة من إعادة إنتاج دوائر الصراع لإنهاء مشاريع إقليمية أو تحديد سقوف لمشاريع إقليمية وليدة. وهي فرصة ترى فيها إدارة الرئيس ترامب الحاجة إلى إعادة تأهيل حكومة بنيامين نتنياهو المقبلة للوصول إلى صيغ سياسية واقتصادية مشتركة مع أطراف ما زالت تملك مقومات القدرة على معالجة تصدعات الحرب.

العرب اللندنية