طيف أول:
قبل أن يقع الحرف على لفافات الورق تقف الكلمة بعد أن تعثرت، وصوت الحقيقة يتلو الخيبات التي أعياها الباطل الذي تحمله على كتفها!!
وفي 20 مايو ذكرنا (أن صانع القرار في حكومة بورتسودان الذي قام بصياغة إلغاء إشراف أعضاء “المجلس السيادي” على الوزارات الإتحادية والوحدات تزامنا ً مع قرار تعيين رئيس مجلس الوزراء “بكامل الصلاحيات”
ذكرنا أن هذا يعني أن البرهان يريد أن يقوم رئيس الوزراء الجديد بإعفاء جبريل ابراهيم من وزارة المالية، الخطة التي يدفعها الخلاف الصامت بين بعض الإسلاميين وقادة الحركات المسلحة، والخطوة التي عجز عنها البرهان منذ إعلان انقلابه حتى يستطيع القول إن أمر الإعفاء ليس بيده، وان كل السلطات التنفيذية نقلها لرئيس الوزراء!!
وذكرنا أيضا أنه وإن قام ادريس بحل الحكومة ونزع المناصب من اعضاء الحركات المسلحة فإن ذلك ربما ينعكس على الميدان العسكري سيما أن الحركات المسلحة شيدت علاقتها مع البرهان على أساس مصلحة ومنصب، ولأجل ذلك وضعت يدها على يد الحكومة الكيزانية.
وبالأمس قام رئيس الوزراء كامل إدريس بحل الحكومة حيث أبلغ طاقمها بقرار حلها
وكلف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير مهام الحكومة إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
وفي الحال رفضت حركة العدل والمساواة قرار الحل جاء ذلك على لسان الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، معتصم أحمد صالح الذي أعتبر أن حلّ الحكومة بالكامل، بما في ذلك وزراء السلام، يُعدّ مخالفًا لاتفاق جوبا لسلام السودان، ويتجاوز الضمانات المتفق عليها دوليًا.
ولكن بعيدا عن حديث الرجل عن اتفاقية جوبا الأساس السياسي الذي لا قيمة له، فإن أكثر ما قاله صالح والذي يجب أن تأخذه الحكومة على محمل الحذر هو أن تجاهل هذا الترتيب “يُضعف الإلتزامات القائمة”، ويقوّض الأساس الذي قامت عليه هذه الشراكة
ولم يحدد صالح ماهية الإلتزامات القائمة وأن ما هو الأساس الذي قامت عليه الشراكة!!
فالحديث في ظاهره السياسي أن الرجل يقصد الشراكة كما ذكرها (المكوّن العسكري، أطراف السلام، قوى الحرية والتغيير)، والتي قال إنها باتت الآن “شراكة ثنائية” بعد خروج أحد أطرافها
وصالح بصفته سياسي ضليع يعلم أن الشراكة التي تجمعه بالسلطة الإنقلابية هي ليست شراكة سياسية الآن، وأن اتفاق جوبا لا يتجاوز كونه غطاء سياسي لا قيمة له على الواقع شأنه شأن الوثيقة الدستورية التي مزقها البرهان، إلا الصفحة التي تليله!! فميلاد قرار تعيين رئيس الوزراء إستنادا عليها هو ميلاد غير شرعي، وبقاء اتفاقية جوبا مخالف، لأن الأسباب والأهداف التي أُبرم عليها الإتفاق وأهمها، طي قضية الحرب في الإقليم وفي السودان ولكن حركات الكفاح المسلح إنحازت للانقلاب، وشاركت في الحرب وساهمت في اتساع رقعتها فتحقيق السلام الذي بني عليه الإتفاق يحتاج إلى مناخ ديمقراطي، وسماء صافية لا يغطيها البارود، وشروطه ليس من بينها وجود حكم عسكري إنقلابي تنعدم فيه مقومات الديمقراطية والحرية والعدالة ، لذلك تبقى” الإلتزامات القائمة” او المنهارة هي التزامات ملغية والعمل بها لا يستند على ميثاق سياسي .
كما إن ذكر صالح للإتفاق الثلاثي بين العسكريين والحرية والتغيير وبينهم، لطالما أن وثيقته تعدى عليها البرهان واخرج الطرف الثالث بالقوة!! فما الذي يعطي الطرف الثاني والأول الحق في التمتع بحقوق الإتفاق كاملة وقسمة حقوق الطرف الثالث فيما بينهما!!
واتفاق “ثلاثي” ماهي القدرة التي حولته الي “ثنائي” سوى قدرة بندقية الإنقلاب!! التي قامت بخيانة النص وشوهة السيناريو وتفاصيله، فسلام جوبا هو واحد من إخفاقات الفترة الانتقالية واسوأ انجازاتها على الإطلاق لأنه اعطى جبريل ومناوي التمثيل المطلق للإقليم الذي حصلوا بموجبه على السلطة والثروة والمناصب وظل الإقليم كما كان يتلوّى إنسانه من وجع الحرب التي تفاقمت مآسيها وتكاثرت كوارثها، وبالرغم من كل التغيرات الموجعة التي حدثت في دارفور من قتل وتشريد ونزوح، لكن منصب جبريل لم يتغير احتفظ به في حكومة الثورة وفي الانقلاب وما بعد الحرب وكأن جبريل نزل اسمه في الكتاب ليظل مخلدا في المنصب الي الأبد
فخلاف الحركات المسلحة وبعض القيادات الإسلامية التي تريد إزاحتها من المشهد ببطء سيطفو الي السطح في أيام قادمات فإما ان يعيد كامل ادريس تسمية حكومته ويعود جبريل وزيرا للمالية او أن خلاف السياسة والمناصب وصراع السلطة، سينتقل الي خلاف عسكري في ميدان “هش” تسوده الفوضى
فالبرهان الذي كان يعجز عن إبعاد جبريل سيعجز عن إعادته، ولكن القيادة الإسلامية ستنظر اولا في كتاب حاجتها لجبريل ميدانيا فوجود جبريل على ظهر منصب أصبح مرهونا بقوة وجوده على الأرض ولا شي آخر فهل يقبل أن يكون بدونه أم يعود متمردا!!
طيف أخير:
زيارة مدير المخابرات الإثيوبية رضوان حسين الي السودان، متاهة دولة تحاول تغيير مواقفها السياسية ام مناقشة قضية امنية جعلت مدير المخابرات على المهمة بدلاً من شخصية سياسية تفاصيل غدا.
الجريدة