صفقة أم اتفاق؟ اتفاق صمم بمزاج مشروب الشمبانيا….

ميساء أبو غنام

في الوقت الذي تتسارع فيه التحركات الإقليمية والدولية حول مستقبل غزة، يبدو أن ما جرى في شرم الشيخ لا يمكن تصنيفه كصفقة لتوازن القوى كما يروّج البعض، بل هو اتفاق غير معلن يهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، وتحديد مستقبل حركة حماس وقطاع غزة على السواء.
اتفاق لا صفقة
حماس ستغادر الشرق الأوسط باتجاه دولة ثالثة — قد تكون روسيا، كولومبيا أو فنزويلا أو أية دولة أخرى تقبل بهم— في إطار تفاهم سياسي دولي، مقابل أن تنتقل إدارة غزة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر أو عبر وكلاء محليين وإقليميين.
أما ما يُتداول عن انسحاب إسرائيلي جزئي أو إطلاق أسرى فلسطينيين، فليس سوى تفاصيل تنفيذية يمكن تعديلها أو تأجيلها بحسب الظروف.
إسرائيل لن تحتل غزة
قبل عامين، أكدتُ أن إسرائيل لن تحتل غزة، واليوم يتأكد ذلك أكثر من أي وقت مضى.
فالاحتلال العسكري المباشر لم يعد هدفًا في الاستراتيجية الإسرائيلية،وغزة لا تعني اسرائيل فعليا من قريب أو بعيد بقدر مصالحها الأمنية في التخلص من الغزيين وايضا المنفعة الاقتصادية من تحويل غزة إلى دويلة متعددة الجنسيات ستعود بالنفع على اسرائيل في استثمارات عالمية كبرى حتى في أراضيها ….
والحقيقة الامصدثر دقة إنه إعادة تشكيل الواقع بما يضمن السيطرة غير المباشرة: اقتصادياً، أمنياً، وإدارياً.
حتى التصريحات الصادرة عن نتنياهو لا تعبّر عن نوايا ميدانية بقدر ما تخدم أهدافاً تفاوضية مرحلية.
ملف الأسرى: حرية مشروطة بالنفي
أما في ملف الأسرى الفلسطينيين، فإن إطلاق سراح أصحاب الأحكام العالية أو المؤبدات لن يكون إنقاذًا لهم بقدر ما هو ترحيل مقنّع.
فمن سيُفرج عنهم سيُنقل إلى دول خارج فلسطين
، ليعيش حياة المنفى الصعب بدل حياة السجون، في عملية تذكّر بتجارب إبعاد سابقة استخدمتها إسرائيل في مراحل مختلفة.
أما الاعتقالات الإدارية التي امتلأت بها السجون، فسيُعاد النظر فيها فقط بعد أن تنهي إسرائيل مهمتها في الضفة الغربية، وعلى رأسها إنهاء اتفاق أوسلو والسلطة الفلسطينية إعادة تشكيلها أمنياً بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية –و الأمريكية المشتركة.
المساعدات الإنسانية: التزام اضطراري
في كل الأحوال، سواء تم الاتفاق أو لم يتم، تبقى إسرائيل مجبرة على السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
فالمجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يدرك أن استمرار الضغط الإنساني سيقوّض أي محاولة لترتيب مرحلة ما بعد الحرب، ما يجعل فتح الممرات الإنسانية جزءًا من معادلة الاستقرار الإجباري.
نحو مرحلة جديدة
شرم الشيخ لم يكن مجرد مؤتمر أو اجتماع عابر، بل منعطف استراتيجي يُمهد لتحوّل جذري في المشهد الإقليمي.
خروج حماس من المنطقة، انتقال غزة إلى إدارة أمريكية، واستكمال إسرائيل لمشروعها في الضفة الغربية — كل ذلك يؤشر إلى بداية مرحلة جديدة عنوانها:
اتفاق لا يُعلن عنه، لكنه يُنفّذ ويصمم في الغرف المغلقة وعلى احتساء كؤوس الشمبانيا كما يحلو لنتنياهو وزوجته …