الصفقة المقترحة التي أشعلت الجدل في الأيام الأخيرة ليست مجرد شائعة؛ بل هي انعكاس للتوترات الجيوسياسية العميقة التي تحيط بالصراع الحالي في الشرق الأوسط. ما تسرب عن إمكانية إبرام صفقة تشمل إيران وحزب الله والولايات المتحدة، يعكس حالة من التعقيد الشديد الذي يحيط بموازين القوى في المنطقة. من جهة، يقف محور المقاومة متأهبا للرد على الضربات القاسية التي لم تكتفِ باستهداف مواقع عسكرية فحسب، بل طالت رموزا وشخصيات بارزة، مما أدى إلى تساؤلات حول قدرة إيران وحزب الله على الرد بشكل يعيد توازن الرعب.
لكن ومع اقتراب النهاية المحتملة لهذا التصعيد، برزت التسريبات حول صفقة قد تعيد تشكيل خارطة العلاقات والتحالفات في المنطقة. الصفقة المطروحة، والتي تتضمن وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وتخفيف العقوبات على إيران، تشير إلى مفاوضات طويلة ومعقدة تدور في الكواليس بين الأطراف المعنية، برعاية دولية قد تكون قطر أحد أبرز لاعبيها. في هذا السياق، يجب أن نضع في اعتبارنا السياق الأوسع؛ وهو الجهد الأمريكي المستمر لتجنب الانجرار إلى صراع مباشر في الشرق الأوسط، في ظل أزمات داخلية وأولويات استراتيجية أخرى تتعلق بمنافسة القوى الكبرى، خاصة مع الصين وروسيا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا قد تقبل إيران وحزب الله بصفقة قد تبدو في ظاهرها تراجعا عن وعود الانتقام والرد الحاسم؟ الإجابة قد تكمن في المكاسب التي تُطرح على الطاولة، والتي قد تكون أكثر جدوى من الدخول في مواجهة مفتوحة مع دولة الاحتلال والولايات المتحدة. إيران، التي تعاني من ضغوط اقتصادية هائلة بسبب العقوبات الأمريكية، قد تجد في تحرير 25 مليار دولار من أموالها المجمدة متنفسا اقتصاديا يعزز من صمودها الداخلي. هذا بالإضافة إلى الدور القطري في إعادة إعمار غزة وجنوب لبنان، وهو دور يعزز من مكانة قطر كوسيط رئيسي في المنطقة، ويمنح إيران وحلفاءها مكاسب استراتيجية دون الدخول في حرب شاملة.
أما فيما يتعلق بحزب الله، فإن الضمانات الأمريكية التي قد تشمل دعم مرشحها للرئاسة اللبنانية سليمان فرنجية، والسماح للبنان بالتنقيب عن الغاز بحرية، تعد بمثابة إنجازات استراتيجية تعزز من موقف الحزب داخليا وتعيد للبنان جزءا من سيادته على أراضيه وموارده الطبيعية. هذه المكاسب قد تبرر تجنب الحزب لضربة كبرى قد تؤدي إلى تدمير بنيته التحتية وتكبد لبنان خسائر فادحة.
ورغم كل ما ذُكر، فإن المقاومة الفلسطينية نفت بشكل قاطع وجود أي صفقة تتعلق بقطاع غزة، مما يزيد من الشكوك حول صحة هذه التسريبات أو على الأقل جزء منها. قد يكون هذا النفي نابعا من رغبة المقاومة في الحفاظ على روح النضال وعدم السماح لدولة الاحتلال أو أي طرف آخر بتحديد مسارها أو فرض شروط عليها. ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال حقيقة أن أي اتفاق أو تفاهم في المنطقة لا بد أن يمر عبر المصالح المتشابكة والمعقدة للعديد من الأطراف، بما في ذلك القوى الإقليمية والدولية.
بكل بساطة، قد لا يكون الأمر بهذه البساطة التي تروج لها التسريبات. إيران وحزب الله يدركان أن أي تراجع في هذه المرحلة قد يفسر على أنه ضعف، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الضغط عليهما في المستقبل. لكن من جهة أخرى، يدرك الطرفان أن الدخول في حرب مفتوحة قد تكون تكلفتها باهظة للغاية، ليس فقط على مستوى الخسائر البشرية والمادية، بل أيضا على مستوى التوازنات الاستراتيجية في المنطقة.
الصفقة، إن صحت، قد تكون بمثابة تهدئة مؤقتة تسمح لجميع الأطراف بالتقاط الأنفاس وإعادة تقييم مواقفها. لكن في النهاية، يبقى السؤال الأكبر معلقا: هل ستكون هذه الصفقة بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار في المنطقة، أم أنها مجرد مرحلة مؤقتة تسبق تصعيدا أكبر؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.