ضربة إسرائيل المركبة : كسر الهيبة الإيرانية وإعادة رسم معادلات الشرق الأوسط

مهيب الرفاعي

فجر يوم الجمعة الواقع في 13 يونيو 2025، وفي عملية نوعية وغير مسبوقة، نفذت إسرائيل ضربة مركبة ضد إيران، جمعت بين التفوق الجوي والاختراق الاستخباراتي والقدرة التقنية العالية. العملية لم تقتصر على استخدام نحو 300 طائرة، أي أكثر من 70 بالمئة  من القدرة الجوية الهجومية، بل جاءت بعد تحضير دقيق وطويل المدى شمل تهريب طائرات مسيّرة محمّلة بالصواريخ إلى داخل الأراضي الإيرانية، وزرعها في أماكن حساسة قرب مواقع نووية وعسكرية، بل وحتى بجوار منازل كبار القادة والعلماء. ثم، وفي توقيت محسوب بدقة، تم تفعيل المسيّرات عن بُعد، لتنفذ مهمتها بدقة عالية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 20 شخصية من القيادات في الصف الأول من الجهاز العسكري و الأمني الإيراني، و علماء نويين من الجيل الأول و المؤسسين للمفاعلات في ايران.

بالتوازي، وبحسب فيديوهات الموساد الإسرائيلي،  نُفذ انتشار ميداني لوحدات كوماندوز داخل إيران قبل يوم الضربة، مزوّدين بأسلحة دقيقة زرعت بجوار بطاريات الدفاع الجوي لتعطيلها ومنعها من اعتراض الطائرات المغيرة. وهكذا، عبرت الطائرات دون مقاومة تُذكر، وأُنجزت الضربة الجوية في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الدفاعية الإيرانية.

الجانب الأبرز في هذه العملية لم يكن حجم القوة المستخدمة فحسب، بل مستوى الدقة وحجم الاختراق، بدءاً من تحديد أماكن نوم القيادات الإيرانية داخل شققهم السكنية، وصولاً إلى تنفيذ الاغتيالات من دون الإضرار بالمدنيين في العمارات نفسها. هذا المشهد لا يعكس فقط تفوقاً عسكرياً، بل تحكماً استخباراتياً وعملياتياً عميقاً، يشير إلى أن البنية الأمنية الإيرانية تعرضت لاختراق واسع النطاق على مستويات عليا، بدءاً من الأجهزة الأمنية وصولاً إلى القادة العسكريين والعلماء النوويين.

الهدف الأساسي من هذه العملية لم يكن إسقاط النظام الإيراني مباشرة، بل تحييد قدراته الردعية، خصوصاً في ما يتعلق بمشروعه النووي، ودفعه للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط الطرف الآخر. لقد جرى التعامل مع إيران كخصم يجب كسر هيبته لا تدميره كلياً. فالخراب الشامل لا يخدم المصالح الغربية، بل قد يفتح المجال لفوضى غير محسوبة. ولذلك، اختير التوقيت والشكل والمضمون بدقة لضرب صورة القوة دون كسر الكيان السياسي بالكامل.

ما حدث يمثّل رسالة استراتيجية متعددة المستويات: الضربة ليست مجرد “تحذير”، بل إعلان واضح عن دخول المنطقة طوراً جديداً من المواجهة، يتجاوز مفاهيم الردع التقليدي، ويقوم على استباق الخطر بالقوة، وتعطيل المشاريع الموازية قبل اكتمالها. لقد جُردت إيران من جزء كبير من أوراقها، ولم يُترك لها سوى خيارين: الانكفاء أو التصعيد.

لكن التصعيد ليس خياراً سهلاً. فالرد الإيراني، وإن بدأ بأفعال عسكرية محدودة، بقي ضعيفاً ومربكاً، لا يرقى إلى مستوى الحدث. قد يكون السبب صدمة الخسائر، أو تخبط داخلي في اتخاذ القرار، وربما تراجع في القدرة الفعلية على الرد المؤثر. فالضربة استهدفت القلب الصلب للنظام، وشملت تدمير منشآت نووية وقتل قيادات أمنية وعسكرية رفيعة، ما تسبب في شلل مؤقت في مفاصل الدولة.

الخطر الأكبر الذي يلوح في الأفق ليس في حجم الضربة وحده، بل في ما ستؤول إليه المعادلة الإقليمية بعدها. خروج إيران من المشهد كقوة وازنة يخل بتوازنات المنطقة لمصلحة إسرائيل، خصوصاً في ظل غياب بديل عربي فاعل. كما أن استمرار سياسة التراخي أو الحسابات المبالغة في الحذر قد يجعل من الضربة الحالية مقدمة لسلسلة طويلة من العمليات، تنتهي بتحويل إيران إلى قوة هامشية بلا مشروع أو نفوذ فعلي.

وفي اللحظة الحرجة الراهنة، تبدو طهران أمام مفترق طرق. فإن ارتضت موقع الضعيف وراهنت على الزمن لاحتواء آثار الضربة، فإنها تخاطر بفقدان موقعها الإقليمي وانهيار هيبتها الاستراتيجية. أما إذا قررت الرد بعملية نوعية وذات أثر مدوٍّ، فهي تدخل في مقامرة قد تؤدي إلى حرب شاملة، خصوصاً إذا ردّت إسرائيل أو تدخّلت الولايات المتحدة. لكن، في ظل الشكوك حول جهوزية الجبهة الداخلية الإيرانية، ومدى استعدادها لتحمل كلفة مواجهة كبرى، فإن القرار يبدو أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.

الهجوم ليس مجرد ضربة عسكرية، بل نقطة تحوّل. الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة تُدار فيها الصراعات بالقوة الناعمة والخشنة في آن، حيث تتراجع المفاهيم التقليدية للسيادة، ويُعاد رسم خرائط الردع والاستقواء. إسرائيل أطلقت الرصاصة الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، بينما لا تزال إيران تحت تأثير الصدمة، تقف أمام سؤال وجودي: هل تبقى قوة إقليمية لها مشروع، أم تتحول إلى كيان مقصوص الأجنحة يُدار تحت سقف تفاهمات مفروضة؟