ضغطة زرّ أميركية

أحمد سعداوي

تستمرّ شخصيات عراقية، سياسية وصحافية مقيمة خارج العراق، في ترويج فكرة “الحلّ السحري الشامل”، المرتكز على عمل عسكري أميركي لضرب المليشيات، وإسقاط النظام في العراق، لإنشاء نظام جديد. يلتقط هؤلاء أخباراً تأتي من الدوائر الأميركية، أو مناقشات الكونغرس، وتصريحات لوزير الخارجية أو بعض الشخصيات، وتُضخَّم أو تُوضع في سياق فكرة “الحلّ السحري”، وكأنّ هذا التصريح أو الخبر خطوة في اتجاه الهدف المُتخيَّل الذي تتحدّث عنه هذه الشخصيات.
للأسف! يناغي هذا الخطاب ويداعب مشاعر عراقيين عديدين، الذين وإن كانوا مُحقِّين في التبرّم والضيق من الأوضاع القائمة، إلا أنهم يفكّرون بطريقة خاطئة؛ التعويل على حلّ سحري شامل تقوم به القوّات المسلّحة الأميركية. وإذا أردنا التعمّق أكثر، تقيم خطاباتٌ من هذا النوع صلةً مع تصوّرات في الثقافة الشعبية السائدة عن السياسة والعمل السياسي، ودور الدولة ومسؤوليتها وعلاقة الفرد بها، ليس في العراق وحسب، وإنما في دول عربية كثيرة. هذه الثقافة التي لم تترسّخ فيها مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة، ليس لسوء عمل من يرفع شعاراتها فحسب، وإنما لمقاومة داخلية في المجتمع، نتيجة أسباب عديدة.
من يتحدّث عن الحلّ بضغطة زرّ أكثر جاذبيةً عند قطاع واسع من الجمهور العام، من ذلك الذي ينظر إلى الحلّ على أنه مسار متراكم وبطيء في الزمن؟ غالبية الناس يضيق نفسها بانتظار الحلول، وتبحث عن ذلك الزرّ الذي بضغطه مرّة واحدة تنتهي المشكلات كلّها. لن تعود أميركا بأساطيلها وجنودها إلى العراق، وفق استقراء الواقع الحالي إقليمياً وعالمياً، وحتى لو نفّذت هجمات بطائرات مسيّرة أو صواريخ على شخصيات مليشياوية أو مقرّات، فهذا لن يتحوّل بقدرة قادر إلى حلّ سحري.
واحدة من ردّات الفعل على عمل عسكري من هذا النوع إظهار المتضرّرين منها شهداء، ومهمّين، وإلا لماذا تستهدفهم أكبر دولة؟ نتيجة أخرى لفعل من هذا النوع أن أميركا ستحرج الحكومة العراقية وتظهرها بمظهر الضعف أمام شعبها، وأنها غير قادرة على إنجاز حلّ، لتأتي أميركا به. كما أنها ستفرض ضغطاً داخلياً على الحكومة العراقية من بعض الأطراف، خصوصاً المتضرّرين من الضربات العسكرية، لإجبار الحكومة على قطع علاقتها مع أميركا، وهذا أمر شبه مستحيل، فالبلد كلّه يتكئ على أميركا.
إن لم يكن هناك إيمان من داخل النظام السياسي العراقي الحالي بتصحيح المسار، وتقوية مؤسّسات الدولة، وحصر السلاح بيدها، والحدّ من نفوذ الخارجين على القانون، تحت أي مسمّى كان، فإن “المساعدة” التي يمكن أن تأتي من أطراف خارجية، لا يمكن لها أن تتطوّر إلى تدخّل مباشر وفق سيناريو إبريل 2003. كما أن لأميركا (وأيّ دولة أخرى) مصالحها الخاصّة، وقد تلتقي مع المصالح العراقية في نقطة ما، ولكنّها من المستحيل أن تتطابق معها، وإن لم يشعر الشعب العراقي بفئاته ومكوّناته كلّها بالمسؤولية الوطنية تجاه بلده، فلن يشعر بها أحد.
العالم معقّد ومتشابك المصالح والصراعات، والعراق ليس سوى ملفّ واحد من ملفّات كثيرة على طاولات الدول الكبرى الأكثر تأثيراً في الساحة الدولية. لا أحد من هؤلاء يصحو صباحاً وهو مؤرّق بمصير العراق والشعب العراقي. ولو جاءت أميركا بجيشها وأساطيلها وأسقطت النظام الحالي، وألقت كلّ من فيه في السجن، فما الذي ستفعله بعدها؟… ستحاول إجراء انتخابات، وسيجد الجمهور الذي انتخب الشخصيات في النظام السياسي الحالي، شخصيات رديفة أو شبيهة لها في توجّهاتها السياسية والعقائدية.
المسار الطويل والمتعب (لكنّه الأكثر واقعية) هو العمل السياسي في الأرض من أجل تغيير الوعي، وتدعيم المؤسّسات القائمة من دون رجّات عنيفة أو تحوّلات عاصفة بكبسة زرّ أميركية.

نقلا عن العربي الجديد