ظنوا بإقصاء السلطة الوطنية الفلسطينية في خطة ترامب.. ولكن!

موفق مطر

إذا قبل ساسة حماس خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فهذا يعني انهم وجدوا فيها ما يلبي مطالبهم الرئيسة من المفاوضات، وأولها تأمين سلامة رؤوسهم، وضمان أموالهم (مليارات الدولارات) فالخطة تضمن لهم خروجا آمنا! سيبررونه بفتاوى وادعاءات لا يمكن إقناع عاقل بمصداقيتها.

أما وقد طلبوا تعديلات فيما يخص سلاحهم، فهذا يعني إمعانهم في تمليك “طهران” ورقة قطاع غزة، تستخدمها في مفاوضاتها، مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ومحاولة لاستغلال الوقت، أملا بإمكانية إعادة احياء محور ايران -رغم انكساره– لتغيير المعادلة، أما إصرارهم على تمسكهم بالسلاح فهذا هو مشهدهم النهائي للانتحار، ولكن بعد بلوغ فصل الإبادة الدموية الصهيونية التي تسببوا بها لشعبنا في غزة الذروة.. وبعد تقديم ذرائع جديدة وقوية لمنظومة الاحتلال لتنفيذ مخططها المتدرج والمتسارع ايضا في الضفة الفلسطينية.

ويمكننا البرهان على ذلك بتزايد وتيرة أعمال جماعة حماس والجهاد في محيط رام الله لاستهداف ما يمكن اعتباره عاصمة القرار الفلسطيني الوطني، ومركز حيوية حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية، وربما نشهد عمليات أخرى من الجماعة الإخوانية الخاضعة لملاحقة قانونية، إبعاد الأنظار عن جرائمها وبقصد استدراج ردود فعل إسرائيلية، تؤدي حتما لخنق الضفة الفلسطينية وتضييق الحصار المالي والاقتصادي، بحصار اجتماعي.. وذلك استنادا لذرائع تقدمها جماعتا حماس والجهاد الاسلامي وغيرهما في الضفة تحت يافطة ما يسمونه “المقاومة المسلحة”!!

فالدولة الفلسطينية هي هاجس منظومة الصهيونية الدينية ونتنياهو تحديدا، أما حماس وغيرها فمجرد أدوات لتصنيع الذرائع، فهو مطمئن أن صناع الذرائع سيطورون خدماتهم له في الضفة، لأنه انتهى من خدماتهم في قطاع غزة الذي تم تدمير إنسانه قبل عمرانه!

كما يعني رفضهم ضرب الجهود العربية والدولية المتمحورة على الرؤية الفلسطينية بعرض الحائط، والإجماع العربي والدولي على خريطة (إعلان نيويورك) لتحقيق السلام وتطبيق حل الدولتين، ولأنهم لا يقدرون على إعلان رفض خطة ترامب مباشرة، فإنهم سيطلبون تعديلات على الخطة التي لم تستبعد السلطة الوطنية الفلسطينية نهائيا، وهذا ما لم يكن في حسبانهم، إذ ظنوا العكس، بأن الخطة ستمنع السلطة الوطنية الفلسطينية من تولي مسؤوليتها، لكن قراءتنا للبند التاسع منها التالي نصه: “ستتم إدارة غزة عبر حكومة انتقالية مؤقتة تتكون من لجنة تكنوقراط فلسطينية غير سياسية، مسؤولة عن إدارة الخدمات العامة والبلديات اليومية لسكان غزة”.

ستتكون هذه اللجنة من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، مع إشراف ورقابة من هيئة انتقالية دولية جديدة اسمها “مجلس السلام”، وسيقود الهيئة ويترأس اجتماعاتها الرسمية الرئيس ترمب، مع أعضاء ورؤساء دول آخرين”.

سيتبين لنا أسباب انطلاق الدعاية المضادة والترويج لشروحات متعارضة مع النص، حيث يتم تغييب دور لجنة التكنوقراط الفلسطينية التي ستدير شؤون المواطنين في غزة مؤقتا، وتسليط الضوء على هيئة الإشراف والرقابة الدولية، ويصورونها بمثابة الحاكم الفعلي لغزة، مع أنها في نص المبادرة غير ذلك تماما، فالهيئة انتقالية للإشراف والرقابة الدوليين.

أما لجنة التكنوقراط الفلسطينية فهي الحاكم المؤقت إلى حين استلام حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية مسؤولياتها كافة، بما فيها الأمنية، ولنقرأ المادة 15 من الخطة ونصها: “ستعمل الولايات المتحدة مع شركاء عرب ودوليين لتطوير قوة استقرار دولية مؤقتة لنشرها فورا في غزة.. ستتولى هذه القوة تدريب وتقديم الدعم لقوات الشرطة الفلسطينية في غزة، وستتشاور مع الأردن ومصر اللتين لديهما خبرة واسعة في هذا المجال.. ستكون هذه القوة الحل طويل الأمد للأمن الداخلي. وستعمل القوة مع إسرائيل ومصر للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية، إلى جانب قوات الشرطة الفلسطينية المدربة حديثا”.

نحن على يقين أن غشاوة المشروع الإخواني ما زالت تعطل بصيرة ساسة حماس، لذلك فإنهم يتحدثون عن قطاع غزة ككيان منفصل عن مصير الدولة الفلسطينية والوطن، وما اقتراحهم بوقف دائم لإطلاق النار يستمر عشر سنوات إلا للاحتفاظ بسلطة انقلابهم في قطاع غزة، وانعدام اكتراثهم بمئات آلاف الضحايا معظمهم اطفال ونساء، ومآسي ومعاناة مليوني مواطن فلسطيني، والدمار الهائل في مقومات الحياة والبنى التحتية (أكثر من 80%) التي لن تملك حماس فرصة ولو بنسبة (1%) لإعادة إعمارها، وذلك بسبب إجماع عربي ودولي وقرار فلسطيني على ألا يكون لحماس أي دور في حكم غزة مستقبلا، فكيف إذا أصروا على شعار: “نحن اليوم التالي”؟!