قراءة في كتاب آدم لبزو الصادر عن دار خطوط وظلال – عمّان، الطبعة الأولى 2021
صدر عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع في عمّان عام 2021 كتابٌ لافت بعنوان «عسى ألّا نكون لاجئين في الجنة: مقتطفات من الكتابة الشعرية في الأدب العالمي»، جمعه وترجمه إلى العربية آدم لبزو، في طبعةٍ أنيقة من 140 صفحة.
يقدّم هذا العمل رحلةً فكرية وجمالية في عمق التجربة الإنسانية، عبر مختاراتٍ من النصوص الشعرية والفكرية التي تجسّد وحدة الوجدان البشري رغم تباعد اللغات والثقافات.
رحلة في معنى الإنسان …
الكتاب ليس مجرد مختارات شعرية، بل تجربة تأملية في جوهر الوجود الإنساني، تُعيد تعريف العلاقة بين الشعر والحياة، بين الكلمة والكينونة.
يحمل عنوانه – عسى ألّا نكون لاجئين في الجنة – دلالة رمزية عميقة، توحي بأن اللجوء لا يكون جغرافيًا فقط، بل معنويًا وروحيًا أيضًا.
فالإنسان في صراعه الأزلي مع الفقد والبحث، لا يبحث عن وطنٍ للأرض، بل عن وطنٍ للروح، والشعر هنا يتحول إلى هذا الوطن البديل.
من الشرق إلى الغرب ، وحدة الوجدان الإنساني …
يجمع المترجم في هذا الكتاب أصواتًا من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب: من الهايكو الياباني، إلى الحكم الصينية، إلى التأملات الصوفية، وصولًا إلى الشعر الأوروبي الحديث.
كل نصٍّ هنا يشبه نبضة كونية تعبّر عن لحظةٍ إنسانية في مواجهة الزمن، والحب، والموت، والفراغ.
إنها ومضات قصيرة تُختزل فيها التجربة الوجودية بأكملها في سطرٍ أو عبارة.
“الكلمة التي لا تمسّ القلب، تبقى مجرد صوتٍ في الريح”
إنها من إحدى الشذرات التي اختارها المترجم، تلخّص فلسفة الكتاب وروحه.
فنّ الشذرة ، شعر العالم المكثف …
تُعيد هذه المختارات الاعتبار إلى فن الشذرة بوصفه من أنقى أشكال التعبير الأدبي، حيث تتجلّى القدرة على التكثيف الرمزي والعمق الدلالي في آنٍ واحد.
فالشذرة ليست قصيدة كاملة ولا حكمة منتهية، بل نقطة ضوءٍ بين الفكرة والصمت، تفتح أمام القارئ أفقًا من التأمل الداخلي.
وهكذا يلتقي الأدب العالمي بالتراث العربي في ومضات الصوفية والحكم والأمثال، في وحدةٍ فكرية وجمالية لا تفصل بين الشرق والغرب.
الترجمة كجسرٍ بين الأرواح …
تتميّز ترجمة آدم لبزو بقدرتها على نقل روح النصوص لا كلماتها فحسب، ليجعلها تتنفس بالعربية دون أن تفقد نكهتها الأصلية.
فالترجمة هنا فعل إبداعي موازٍ، يضيف للنص بعدًا جديدًا ويعيد خلقه في سياقٍ ثقافي وروحي مختلف.
بهذا المعنى، يشكّل الكتاب جسرًا بين الإنسان العربي وتجارب الشعوب الأخرى، عبر لغةٍ شفافة تنقل الجمال والمعنى معًا.
“ما دام في القلب شوق، فثمة طريق إلى الضوء.”
هذه شذرة أخرى من الكتاب تختصر فلسفة الأمل التي تنبض بين صفحاته.
ختاما: الشعر وطن الروح …
“عسى ألّا نكون لاجئين في الجنة ” ليس مجرد عنوانٍ لكتاب، بل تأملٌ عميق في معنى الانتماء الإنساني، ودعوة للبحث عن الوطن في اللغة والمعنى قبل أن نبحث عنه في الجغرافيا.
إنه عمل يمنح القارئ العربي فرصةً نادرة ليتأمل ذاته والعالم من خلال مرآة الشعر، وليكتشف أن الكلمة حين تصدق ، قادرة على أن تنقذ الإنسان من غربته، وتمنحه وطنًا لا يُنفى منه أبدًا.
كتاب آدم لبزو هذا يذكّرنا بأن الشعر، في نهاية المطاف، ليس ترفًا جماليًا، بل ملاذ الوعي الإنساني الأخير في عالمٍ يزداد اغترابًا، وأن الجمال ، كما الكلمة الصادقة ، سيبقى دائمًا طريق الإنسان إلى الخلاص.
إعداد: د. عبد الرحيم جاموس
الرياض
8/11/2025 م






