ثمة مشكلة في عقل احزاب وحركات الاسلام السياسي، متأصل في جوهر تفكيرها وعملها، حيث تعيش في مشكلات ما قبل عصر الحداثة والتطور ، فهي في القرن الواحد والعشرين، لكنها تفكر بالطريقة التي كان يفكر ويعمل بها اقرانها في العصور الوسطى، فالاسلام السياسي واتباعه يعيشون في هذه الفترة الزمنية، ويقتنون احدث ما توصلت اليه التكنولوجية الغربية والشرقية
الصين مثلاً ، ولا دخل لهم باكتشفاتها وتطويرها او حتى صناعتها، بل يقتصر عملهم فقط على اقتنائها واستعمالها، ولكن في عقولهم لازالوا يغطون في غياهب الزمن الماضي، من حيث التفكير والممارسة والتطلعات، فهذا العقل لم يأخذ من كل عصر الحداثة سوى بعض المظاهر، لكنه في داخله لا زال يعيش في ازمنة بدايات الاسلام، وما خلفته دولة الخلافة حتى اواخر عهدها العثماني.
فعقل الاسلام السياسي لا يتقبل الهزيمة، ولا يتقبل إطلاقاً الرأي الاخر، وهذا ما نعيشه مع حركات واحزاب الاسلام السياسي “حركة حماس” في فلسطين و”حزب الله” في لبنان، وغيرها الكثير في بعض المناطق والدول، فبعد ان دمرت حركة حماس قطاع غزة نتيجة عمليتها والتي سُميت “طوفان الاقصى” والخطاب العالي النبرة الذي رافق العملية في يومها الاول – ” سنحرر الاقصى وكامل فلسطين ونُنهي اخر احتلال على الارض”، اصبحت قيادة الحركة اليوم تطالب بوقف الحرب والعودة، الى ما قبل السابع من تشرين الاول – اوكتوبر ، تاريخ بدء الحرب.
اما “حزب الله” والذي بدأ الحرب في اليوم التالي، اي في الثامن من تشرين الاول – اوكتوبر، حيث اعلنها حرب إشغال ومساندة للمقاومة في قطاع غزة، وهنا يجب الانتباه ان الحرب المُعلنة هي لدعم ومساندة المقاومة في قطاع غزة، وليس مساندة الشعب الفلسطيني، وهذا الاهم في الموضوع، لان الشعب والانسان لا محل او مكان له في عقل جماعة الاسلام السياسي، ولا يفترضون له اي اعتبار ، لان الانسان هو مجرد ارقام فقط، المهم ان يبقى القائد على قيد الحياة، وليذهب الشعب الى جهنم وبئس المصير، والدليل ان قائد “حماس” اليوم يحي السنوار قد صرح منذ ايام ان “حماس مستعدة لحرب استنزاف طويلة الامد مع إسرائيل”، غير آبه لما حصل للشعب الفلسطيني، من نكبات وتدمير قطاع غزة عن بكرة ابيه، واستعادة الاحتلال الصهيوني للقطاع، ونزوح الشعب الغزي عشرات المرات داخل القطاع، والضحايا التي سقطت من جراء الحرب والتي بلغت ارقاماً فلكية ، فهذا ليس له اي حساب في اجندة “حماس”.
اما في لبنان فـ”حزب الله” ايضاً، وعلى الرغم من دمار عشرات القرى في الشريط الحدودي المتاخم لفلسطين المحتلة، وبالرغم من التفجيرات غير المسبوقة في التاريخ، لاجهزة الاتصال والتواصل لعناصر وقادته، والتي ذهب ضحيتها مئات الاشخاص بين قتيل ومُصاب، ومنهم المئات اصبحوا معوقين وفاقدين البصر والاطراف، وبالرغم من ظهور الخرق والانكشاف الامني امام اجهزة العدو الصهيوني وليس اخرها استهداف ابراهيم عقيل وقادة فرقة النخبة لدى الحزب “فرقة الرضوان “، وعلى الرغم من عشرات المبعوثين والمُرسلين من وفود اجنبية وعربية، تدعو لفك الارتباط مع غزة بعد ان انتهت غزة، و”حماس” خسرت اكثرية قادتها وعناصرها وقواتها، إلا ان قيادة “حزب الله”رمت كل ذلك خلف ظهرها، غير آبهة بشيء، لا بل مستمرة في المكابرة، ومعلنة ربط مصير لبنان وشعبه مع غزة التي انتهت من الواقع، وهي غير موجودة سوى في كتاب الجغرافيا فحسب.
هذا يدل على ان عقل الاسلام السياسي ليس عقيماً فحسب، بل فيه من الخبث لدرجة انه يتعاطى باستخفاف مع نفسه وبيئته وبلاده، غير آبه لكل ما يحدث فقط لانه لايعترف بالانكسار والهزيمة، بل بانتصارات وهمية دائمة وزائفة، غير موجودة سوى في مخيلتهم المريضة، والتي تحتاج للطب النفسي والعلاج من امراضٍ مُزمنة، تعيش برؤوسهم وممارساتهم، والتي تدفع اثمانها البلاد، التي يعيشون بين جنباتها وعلى اراضيها.
نقلا عن جنوبية