عقوبات عربية على حماس وقادتها

حميد قرمان

بات معروفاً بأن معادلة الحرب في قطاع غزة تعتمد في الاستمرارية على طرفيها؛ اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو ومنظومته الحاكمة، واليمين الفلسطيني المتمثل بحركة حماس، فلا نهاية للحرب دون استسلام أحدهما، والتسليم ببقاء الآخر في المشهد السياسي بصيغة تنازل في حدها الأدنى عبر مفاوضات أصبحت طاولتها لا تجدي نفعاً في ظل التشبث بالمواقف والرهانات.

أمام الواقع المتأزم، والذي فاق في حدوده ليتخطى مفاهيم الإبادة والمجاعة داخل القطاع، في ظل تمسك قادة حماس؛ تحديداً الذين هم خارج القطاع، بمقاربات سياسية لا تعالج تخليهم عن حكم غزة أو تسليم سلاح الحركة، الذي لم يحقق منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) المشؤوم أي تغيير في مجرى الحرب أو التأثير على مساراتها.

بكل تأكيد.. طالما بقي قادة حماس في الخارج ينعمون بسُبل الحياة الرغيدة، يجمعون الأموال ليتقاسموها بينهم، ويقطنون في الفنادق الفارهة في الدوحة واسطنبول وطهران، ويخرجون في لقاءات تلفزيونية يدلون بتصريحات تدلّل على غوغائية الخطاب السياسي وإفلاسه أمام معاناة الشعب الفلسطيني الأعزل، لن تنتهي الحرب.

الحرب في غزة.. لن تضع أوزارها إلا بإقصاء أحد طرفيها، وإزاحتهم من المشهد السياسي عنوة، بحيث سيصب ذلك في إنهاء الطرف الآخر، بمعنى أن خروج حماس من غزة سينهي أسباب بقاء ائتلاف بنيامين نتنياهو الحاكم وسيؤدي إلى سقوطه في الشارع الإسرائيلي، والعكس صحيح.. إبعاد بنيامين نتنياهو من مشهد الحكم داخل تل أبيب سيعطي زخماً ودفعاً سياسياً لمظاهرات واحتجاجات تصدح أصواتها أرجاء القطاع ضد بقاء سلطة حركة حماس.

قادة حماس؛ الذين يصمون آذانهم عن الكثير من الأصوات الداعية لاتخاذ الواقعية كنهج لمعالجة تداعيات وآثار الصراع، من خلال إيجاد صيغة سياسية تفرض حلاً يساهم في وقف مخططات منظومة اليمين الإسرائيلي الحاكمة، كون الفاتورة التي دفعها الشعب الفلسطيني من أبنائه وبنيته التحتية تفوق أي ثمن يمكن أن تتحصل عليه الحركة من الاحتفاظ بالرهائن الإسرائيليين، فالحقيقة لم يتبقَّ أمام حماس خيارات أو هوامش للمناورة السياسية.

سابقاً.. تسبب ضيق الهامش التفاوضي الحمساوي؛ لتصلب مواقفها السياسية النابعة من إرضاء قواعد الغوغائية العربية التي تحكم الرأي العام سواءً في الشارع العربي أو مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دأب عليه قادتها في تقديم طرح مختلف عمّا يدور في الغرف المغلقة في سبيل أن ينالوا مكتسبات سياسية، خاصة في اليوم التالي للقطاع.

حالياً.. الفراغ في القيادة العسكرية داخل غزة، بعد سلسلة الاغتيالات التي قامت بها إسرائيل، سيؤدي إلى جمود في مواقف حماس التفاوضية، وهو ما يتطلب عقوبات عربية على قادة الحركة في الخارج، لتحريك المياه الراكدة؛ تشمل منع وتقييد تحركاتهم بين الدول العربية أو أجوائها ومطاراتها، بالإضافة إلى إحباط جهود الحركة في توفير تمويل بحصار وقطع شبكات الدعم المالي بوقف عمليات جمع التبرعات، التي تعتمد عليها عبر شركات وهمية في توفير مصادر لها.

الحاجة المُلحة لتضييق الخناق السياسي والمالي على قادة حماس الخارج، لن ينعكس فقط على وضع نهاية للحرب على قطاع غزة أو حدّ لمأساة سكانه؛ الذين سئموا الصراع.. ويتطلعون إلى إنهاء أكثر من عام ونصف من العنف والحرمان، بل سيدفع لحل أزمات تلوح في أفق بعض دول الشرق الأوسط، وتحديداً ملف سلاح الفصائل في المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث أبدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس تجاوباً منقطع النظير مع المطالب الرسمية اللبنانية من أجل إنهاء هذا الملف الشائك، وهو ما يحتاج إلى ضرورة خلق ضغط بشكل سريع على حماس والفصائل التي تدور في فلكها؛ كالجهاد الإسلامي وعصبة الأنصار من أجل تسليم سلاحهم، دون الدخول في صدام مسلح مع الجيش اللبناني، ليتمكن الرئيس اللبناني جوزيف عون وحكومته برئاسة نواف سلام من تثبيت أركان الدولة الوطنية؛ ذات النظام الواحد والقانون الواحد والسلاح الواحد، كمقدمة لمعالجة حقيقية لملف نزع سلاح حزب الله.

سياق العقوبات العربية؛ لزوم تأطير العلاقة مع حماس (الميليشيا)، التي توهمت بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) أنها قادرة على فرض معادلاتها في المنطقة، وتغيير موازين القوى الدولية، وتراهن على إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو من قبل الشارع الإسرائيلي، لذلك لن تتوانى عن المماطلة انتظاراً لتقلب الظروف لصالح وجودها كسلطة أمر واقع داخل القطاع؛ مما يعني استمرارها كعقبة أمام ما يتم التحضير له عربياً ودولياً للوصول إلى حل شامل يفضي إلى استقرار الشرق الأوسط، وخلوه من أسباب الصراع المستمر بفضل أيديولوجيات يمينية تغلّب مصالحها على مصالح شعوب المنطقة.

نقلا عن ايلاف