على كل مترين من الأرض خمسة شهداء

نور الدين العلوي

السياسي – أعلنوا ندمكم على خذلان غزة في معركة الطوفان ولا تستعرضوا جيوشكم لعلنا نعود فنصدق أن لكم قوة وبأسا، لا تبالغوا في احتقار ذكاء العربي البسيط الذي منح قلبه لغزة ويعجز عن الوصول إليها ليرمم خيامها، فاستعراضاتكم العسكرية الأمنية ليست لحماية الفلسطيني بل لإرهاب العربي الذي يمكن أن يناصر الفلسطيني. يا شجعان ما بعد المعركة؛ لقد فوّتّم على أنفسكم فرص المجد والحرية يوم أعنتم العدو على المقاومة وبكم رغبة مفضوحة في محوها من الوجود، فلا ترغمونا على تحمل كل هذا النفاق. الفلسطيني ونحن الفقراء من حوله سنحارب وحدنا، وما ترامب إلا مرحلة.
أعلنوا ندمكم أولا
عندما كانت غزة تستصرخكم وضعتم أصابعكم في آذانكم واتهمتم غزة في عقلها وافتريتم عليها كل فرية، وأرسلتم قوافل الغذاء والسلاح إلى العدو تحت أنظار شعوبكم وأنظار العالم ولم تخجلوا قليلا ولا كثيرا. الأمريكي الذي فضحكم بنشر محادثاتكم السرية وأنتم تطلبون منه القضاء على حماس؛ هو الذي يأمركم الآن بقبول الفلسطيني المهجر، فتتظاهرون بالشجاعة. هو يعرفكم أكثر من شعوبكم، لذلك يتصرف على أساس من هذه الخبرة.
هل راجعتم موقفكم من المقاومة؟ هل فهمتم أنها كانت تحارب في غزة من أجلكم أيضا وأن معركتها لم تكن فقط من أجل المربع الغزاوي، وعندما كانت تستصرخ برودكم كانت تكشف لكم عمق المعركة القومية الجبارة التي ستحرركم في أقطاركم وعروشكم حتى قبل أن تتحرر غزة؟ هل قرأتم الرسالة أخيرا، وهل ستعلنون نقدا ذاتيا أمام غزة وأمام شعوبكم التي منعتموها من إرسال بسكوت بسيط لأطفال غزة الجياع؟
قولوا لقد أخطأنا تقدير الموقف وأننا سنغير وسنعمل على حماية الفلسطيني في أرضه ولو تحت خيمة من بلاستيك، لنصدق أن استعراضاتكم العسكرية من أجل معركة حقيقة تأخرتم عنها طويلا، ولكن لا بأس فزمن المعارك الكبرى لا يحسب بالأشهر. نريد أن نصدقكم نريد أن نوهم أنفسنا بأنا لنا ملوكا عظاما ورؤساء أفذاذا، اكذبوا علينا كذبة قابلة للتصديق تبدأ بجملة واضحة، قولوها: لقد أخطانا في فهم معركة الطوفان وسنصحح الخطأ الآن بما تقتضيه المعركة الطويلة.

من انتصر بالطوفان ينتصر ضد التهجير
المؤمنون بالطوفان يرون أرضا مفروشة بالشهداء، لقد قمنا بعملية حسابية بسيطة بقسمة بتوزيع عدد الشهداء على عدد الأمتار المربعة أي كل مساحة غزة، فوجدنا أن ثمن كل متر مربع قد بلغ شهيدين ونصف الشهيد، دون حساب شهداء المعاركة السابقة على الطوفان. هذا الثمن لا يحسن تقديره إلا من دفعه ومن سيبني عليه. أرض معمدة بالدم لن يسمح أهلها الباقون لحماية الشهداء بتدنيسها بناطحات سحاب سياحية نعرف يقينا أنها ستكون مواخير مفتوحة.
هل تقام مواخير ترامبية فوق كل تلك الدماء الطاهرة؟ لم نشك أبدا في عقل المجاهد الغزاوي وهو يطلق معركته، وهو يقودها، وهو يستخلص نتائجها، ولا نراه يفقد صبره وعقله وهو يواجه بعض آثارها الجانبية. يقينا ستكون معركة أخرى تؤجل إعادة الإعمار وتطيل معاناة الأطفال والنساء والجرحى ويشتغل أعداء الطوفان على قلب الجمهور الصامد على مقاومته، لكن أن يُشْحَن مليونا شخص في الشاحنات كالخرفان لترحيلهم فهذه أماني أشخاص مضطربي العقول؛ سيقابلهم عقلاء مدبرون علّمهم الزمن الصبر والمطاولة وهم رجال المعارك الطويلة.
نحن في منافينا الوطنية نتمتع اللحظة برؤية زعماء العرب أذلّاء أمام ترامب، ونحن موقنون بأنه لن تخطر ببالهم ربع فكرة عن الاستناد على شعوبهم للبقاء. أعداء شعوبهم هؤلاء يرون الطوفان يجرفهم، وهذه هي الترجمة الأشد بلاغة لشعار عظيم “دم الشهداء ما يمشي هباء”.
لن تسير الغواني على دماء الشهداء المصطفين.. هذا إيمان لا تحليل.

تابعنا عبر: