على ماذا سيصحو أهالي غزة لحظة انتهاء الحرب؟

باسم برهوم

المسألة تحتاج لبعض الخيال وفي نفس الوقت ان يجرد المرء نفسه من اية خلفية سياسية وأن يفكر بمنطق انساني مجرد، في قطاع غزة، وما إن تنتهي الحرب حتى يصحو الغزيون والشعب الفلسطيني عموما على الفاجعة الكبرى، الآن وفي ظل مواصلة الحرب، جل ما يتمناه المواطنون هناك هو النجاة، سواء من القصف الإسرائيلي أو من المجاعة، ويمضي الغزيون معظم وقتهم في الانشغال بتأمين قوت الأطفال، ولكن ما إن يتوقف القصف ويشعر المواطنون بشيء من الأمان، في تلك اللحظة سيكتشف اهالي غزة انهم بلا غزة، بلا كل القطاع، الغالبية الكبيرة من المنازل دمرت، وانهم بلا شبكات ماء وكهرباء ولا صرف صحي، ولا طرق.
سيصحو الأهالي على قطاع بلا مستشفيات أو مدارس وجامعات، سيكتشفون ان مساحة المقابر قد تضاعفت عشرات المرات، وأن تحت أقدامهم مباشرة جثث أحبائهم وأعزائهم وأصدقائهم والذين دفنوا في مقابر جماعية على عجل.
وعندما تتوقف الحرب، فإن من عاش من العائلات، وبعد الخروج من الصدمة المباشرة للحرب، سيكتشف، ان كما كبيرا من اطفالهم وقد بترت ايديهم او ارجلهم، او فقدوا اعينهم، وكذلك عدد كبير من الكبار، وسيكتشف الغزيون انهم بلا اماكن عمل، وإلى أن تعود الحياة، ولو بقدر معقول فإن ذلك قد يستغرق عدة اسابيع او أشهر، وستكون هذه الفترة العصيبة.. فترة يأس وإحباط، وربما فترة تتزايد فيها المشاكل الاجتماعية، وغيرها، والأهم ان الشعب الفلسطيني هناك قد يحصل على غذائه من المساعدات ولكن التجربة علمتنا ان المجتمع الدولي قد يدير ظهره بعد فترة وجيزة وتبقى الأمور عالقة هناك من دون اي تقدم سريع في إعادة الاعمار. كل هذه الأشياء يجب ان نراها ونتوقعها، والاهم ان نحسب حساب تلك الايام التي قد لا تكون أقل قسوة من الحرب ذاتها، بل أشد.
كل ذلك إذا وافقت إسرائيل بالفعل على الانسحاب السريع من غزة، والا سندخل الى مرحلة اخرى من النزف قد تطول لسنوات وفي مثل هكذا حالة ستتأخر عملية الاعمار وعودة الحياة الطبيعية، إذا ما الحل؟ ما هو المخرج من كل ذلك؟ السؤال هنا وان كان موجها إلى كل الطبقة السياسية الفلسطينية، فإنه موجه تحديدا الى حماس التي بدأت كل هذا الذي يجري، بقرار منفرد منها، وهي من تملك قرار الخروج من مستنقع الدمار والقتل، مستنقع الدم والفقدان الكبير، حماس هي التي بيدها إنهاء الانقسام، وان تتوافق مع القيادة الفلسطينية، من اجل تحمل المسؤولية الجماعية تجاه الكارثة بالرغم ان حماس هي من قاد الأمور الى هذه الفاجعة.
قطاع غزة بعد الحرب بالضرورة ان لا يستمر فيه الانقسام، لان هذا يمثل وصفة لإطالة امد المعاناة القاسية، ولعل حماس تدرك انها حتى مع الوحدة ستكون مهمة إعادة اعمار غزة مهمة صعبة، فما بالك ان واصلت حماس دفن رأسها بالرمال وتصر على التحكم بالقطاع منفردة كما كانت قبل السابع من أكتوبر الماضي.
من الصعب تخيل كيف يمكن ان تفكر حماس، خصوصا انها لا تزال تصر على مواصلة حكمها لغزة، فإذا استمرت بسياستها الراهنة، فهذا يعني انها متورطة بأجندة خارحية حتى النخاع، وانها بذلك لا تفكر من قريب أو بعيد بمصالح الفلسطينيين.
بهذا المعنى وبقدر ما تتحمل إسرائيل المسؤولية عن كل ما حدث من دمار وسفك دم، فإن حماس وإذا لم تبادر الى إنهاء الانقسام ستكون هي ايضا شريكة بالمسؤولية، ولكن من المؤكد اذا قررت حماس مغادرة مربع الانقسام فإنها بالتأكيد ستجد الطريق الأنسب لانهاء الحرب بما يتفق ومصلحة الشعب الفلسطيني، وتحديدا مصلحة أهل قطاع غزة.
واليوم بعد ان اصبحت مبادرة بايدن قرارا من مجلس الأمن مع هذا الحجم من التأييد والدعم، فإنه ليس من المفيد ان تتحمل حماس مسؤولية افشال المبادرة، فالمسألة لا تتعلق بها وحدها، فالقضية الفلسطينية برمتها في خطر، والشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وحتى في الضفة سيدفع ثمن هذا الرفض، فنحن نذكر كيف آلت إليه الأمور بعد ان حمل كلينتون الرئيس الراحل ياسر عرفات زورا مسؤولية فشل كامب ديفيد عام 2000، وما الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني، بالرغم ان الرئيس الراحل ابو عمار كان منخرطا في عملية سلمية فما بالك بحماس التي تصنفها الولايات المتحدة بأنها منظمة “إرهابية”.
بدرجة معينة فإن الكرة الآن في ملعب حماس ايضا، فهي يمكن ان تختصر زمن المعاناة والدمار، اذا ما غيرت من توجيهاتها الانقسامية القديمة وتقوم بالفعل بالبحث عن بديل وطني يبقيها في المشهد السياسي، ويحافظ على ما تبقى من القضية الفلسطينية. كل الأطراف التي يهمها بالفعل مصلحة الشعب الفلسطيني، تردد القول بأن بإمكان حماس الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية وتحقق ما تريد تحقيقه عبر خيمة الوحدة الوطنية.. فلماذا كل هذا التأخير والمماطلة؟ ومن الغريب أن تسمع من بعض الاوساط المؤجورة من طبقتنا السياسية وهي تقول: “حماس تفاوض بذكاء وحكمة” ربما هم لا يرون من المشهد سوى انقاذ رأس حماس ولكن معاناة غزة والشعب الفلسطيني عموما على ما يبدو ليس ضمن اعتبارتهم ولا حتى انهاء الانقسام الذي تسبب بكل هذه الكوارث.

شاهد أيضاً