E-mail: aboubamine@gmail.com
أَذكُرُ سنة 2004؛ عندما التحقت بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر وأقبلت على قراءة الجرائد والمجلات ومتابعة البرامج الحوارية والوثائقية عبر القنوات الفضائية تردد على مسامعي مصطلح “السامية”، -صراحة- لم أكن أدرك تحديدا ما هي السامية وما هو معنى معاداتها؛ خلتُ أول الأمر أنها جماعة سرية من الأشرار يسعون إلى السيطرة على العالم ك”الماسونية” كما كان يصورها الصحفي المثير للجدل “يُسري فودة” في برنامجه “سري للغاية” آنذاك، بعد بحث حثيث في تاريخ أوروبا والمنطقة المتوسطية عرفت الكثير عن هذه الفكرة المزروعة ضمن الثقافة الغربية وافجعني كم العقوبات التي تلحق بكل من ثبتت عليه جريمة معاداة هذه الفكرة أو “الأمة” أو العرق أو بالأحرى الكيان.
اكتشفت أن مفهوم السامية قديم قدم المسكنة اليهودية في العالم لكنه اكتسب قوة كبيرة في المجتمعات الغربية خاصة تلك التي “يُحكَى” أنها أذنبت في حق اليهود بعد الحرب العالمية الثانية؛ فالساميون لغة وتاريخا هم أبناء سام بن النبي نوح عليه السلام ما يعني أن العرب هم ساميون؛ أما السامية إجرائيا هي نفسها الصهيونية؛ باعتبار أن كل انتقاد للكيان الصهيوني أو شخصياته أو أي مواطن يعتقد “اليهودية” في أي قطر من أقطار العالم الغربي جُرمٌ وذنبٌ لا يُغتَفر، فعندما يصف “بايدن” رئيس الدولة التي تنصب نفسها راعية حقوق الإنسان في العالم أنه “صهيوني” ووزير خارجيته “بليكن” فلابد من التيقن أن الرعب سيسود العالم أكثر من ذي قبل وحقوق الإنسان ستعيش أسوء أيامها؛ وكذا النفاق الدبلوماسي المقزز الذي تمارسه الدولة “الكانوسية” من تنكر صارخ وتنصل من قرارات الجنائية الدولية بذريعة “الحصانة الدبلوماسية” التي يتمتع بها “السامي” قاتل الأطفال؛ حيث يمنع أي محاولة للتفكير في انتقاد كيان غاصب مخافة الاتهام بمعاداة السامية هذا ما يجعل أي فعل مجرم من طرف الكيان “مقبول” (أخلاقيا) فالكثير من الشخصيات السياسية والفكرية والأدبية والدينية يتجنبون أصلا الحديث الكيان وجرائمه وحدوده ومشاريعه مخافة لعنة “معاداة السامية” -طبعا- مع أنه كيان مارقٌ لا يَعتَرِفُ بالقوانين واللوائح المنظمة للحرب ولا تلك التي تسير حالات السِلم.
فبعد إخضاع حكومات العالم الغربي وعدد من حكومات الدول العربية أيضا؛ تحول العمل للسيطرة على عقل الشعوب وضميرهم الجمعي وإجبارها على الصمت أمام الإبادات الجماعية والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والحيوان والشجر والحجر وذلك عبر الإرهاب الإعلامي والاجتماعي والقانوني وجماعات الضغط الاقتصادية؛ وتعميم هذا الرُهَاب الذي يرافق ظل “معاداة السامية” كما توصف في المحافل الحامية لحقوق الإنسان “الأبيض” ذوي الشعر الأشقر والعيون الزرقاء، كما صور الإعلام الأوروبي توافد اللاجئين الأوكرانيين؛ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في مقابل مناقشة أخطار تزايد أعداد اللاجئين السوريين والفلسطينيين وقبلهم العراقيين على الأراضي الأوروبية.
بعبع “معاداة السامية” سيف مسلط على رقاب الكل -دون استثناء-؛ وزاده تصوير وسائل الإعلام الكلاسيكية والجديدة وعبر منشورات الشبكات الاجتماعية الرقمية على أنه عار يلاحق مرتكبه؛ بالإضافة إلى عقوبات سجنية وغرامات مالية وعزلة اجتماعية وكذا الاضطهاد الفكري والفني الذي يلحق رجال السياسة والفكر والفن والرياضة المتجرئين على حصانة “الصهيونية” و”الصهاينة”؛ والسؤال الذي يدور في ذهني منذ بدئ المجزرة في حق الفلسطينيين في قطاع غزة؛ إذا كانت عقوبة معاداة السامية العار والحبس والتغريم والتضييق الإعلامي وحتى التهجير؛ فما هي عقوبات معاداة الإنسانية؟.