عندما نصَب ترامب كميناً للخامنئي!

ساطع نور الدين
بات من يوميات الاعلام الأميركي وطرائفه المسلية، ان تعتمد كل صحيفة كبرى، أو محطة تلفزيون رئيسية، على خبراء سياسة، وعلم نفس أحياناً، في تفسير وتفكيك كل كلمة ينطق بها الرئيس دونالد ترامب، عن الحرب على إيران، وتحيلها الى خلل في أسلوب التواصل الرئاسي، الذي غالباً ما يكون عفوياً وموجزاً، لا يتخذ شكل مؤتمر صحافي رسمي يحضره العشرات، بل المئات من الصحافيين، على غرار ما كان يجري مع رؤساء سابقين.
وغالباً ما تخلص تلك القراءات لأقوال ترامب، الى نتيجة تعترف فيها الصحيفة والمحطة بأنها عاجزة عن الفهم والشرح للجمهور، لأن الرئيس يكذب (حرفياً)، أو يناقض نفسه، أو يخالف وزراءه ومستشاريه (ويُهينهم)، أو أنه ببساطة لا يعرف إلا ما تم تلقينه له..على غرار سلفه الأسبق جورج بوش الابن الذي اعطى الامر بشن حرب العراق العام 2003 ، من دون ان يعرف أين يقع العراق، أو ما اذا يقصد إيران يومها، لكنه أخطأ في لفظ حرف واحد من إسم البلدين، حسب النكتة الشهيرة التي شاعت في حينه!
السائد في أميركا هذه الأيام، هو اللجوء الى بوش الابن، كمرجع للمقارنة، والى حرب الخليج الثانية الى معيار للحكم: هل يمكن إعتبار ترامب النسخة الجديدة من بوش الابن؟ وما هي أوجه التشابه والتباعد بين حرب العراق وبين الحرب الحالية على إيران؟
مع العلم بأن الرئيس الأسبق ، شبه الأمّي أيضاً، كان بمثابة دُمية يحركها فريق أيديولوجي بارز من المحافظين الجدد، الذي قادوا حروب ما بعد هجمات 11 أيلول، وخططوا لقلب أنظمة العالم الإسلامي كلها، ولتعديل نصوص الإسلام نفسه..
ولعل استلهام تجربة بوش الأبن، ساهم في إطلاق فكرة وجود “شرخ” بين جناحين في إدارة ترامب، جناح “إنعزالي” يعارض تورط أميركا في أي حروب خارجية، وجناح “توسعي” ينادي باستخدام القوة الأميركية الهائلة، في فرض زعامتها وإرادتها ومنتجاتها على الحلفاء قبل الأعداء.
وهي فكرة تنتهي عادة الى الإيحاء بان الرئيس نفسه ( العقاري المحب للسلام) يميل الى الجناح الأول طبعا. وليس هناك حتى الان أي دليل عملي على وجود أي من الجناحين، وعلى ظهور رمز واحد في إدارة ترامب يوازي بأهميته بول وولفويتز مثلا، الذي كان أحد العقول الماكرة للمحافظين الجدد أيام بوش الابن.
ما هو ثابت حتى الآن هو انقسام إدارة ترامب، ككل إدارة أميركية سابقة خاضت حرباً كبرى، بين المدنيين المتحمسين للحرب بأي ثمن، وبين العسكريين المتحفظين عادة على شن أي حرب.
وكما يبدو، فقد حسم ترامب هذا الانقسام التقليدي، عندما أمر الجيش، بعد إنذار علني مدته ستين يوماً، بالذهاب الى الحرب على إيران، وأهان مديرة الاستخبارات الأميركية تولسي غابارد، التي أكدت في 25 آذار الماضي ان التقديرات الاستخبارية الأميركية تفيد بإن إيران لا تنوي إنتاج قنبلة نووية، ولم “يُفتي” مرشدها علي خامنئي بالاقدام على مثل هذه الخطوة..
وكان “الأمر” الصادر عن ترامب يتضمن حظراً وحيداً على إرسال جنود أميركيين الى البر الإيراني، والاكتفاء بالعمل من الجو البحر، خلف القوات الإسرائيلية، بل الى جانبها، عندما يتضح أن سلاح الجو الإسرائيلي، لا يملك الطائرات والصواريخ الكافية لتوجيه مثل هذه الضربات المكثفة، التي فاقت حتى الآن حجم الضربات التي تلقاها العراق في العام 2003.
أمام هذه الوقائع التي لا تحتمل الشك، تبدو أميركا الآن في جدل بيزنطي، حول ما اذا كان ترامب سيأمر جيشه بدخول الحرب، التي دخلتها منذ 13 حزيران الحالي، ولم يبق منها سوى تدمير مفاعل فوردو بصواريخ تحتكرها أميركا لنفسها.
وهي لم ولن تفكر في إرسال نصف مليون جندي أميركي وأوروبي وآسيوي الى إيران.. طالما أن النظام الإيراني يمكن أن يسقط من تلقاء نفسه، بعدما أوقعه مرشده الخامنئي في كمين أميركي محكم!
بيروت في 18 / 6 / 2025