عندما يكون القاتل مديرًا للسجن!

راجي سلطان الزهيري

في جنوب العراق، وبينما كانت الناس تأمل في عهد جديد بعد سقوط النظام في عام 2003، ظهرت إحدى القصص التي جسدت الألم والفساد الذي لا يزال ينخر في جسد البلاد.

رجل مسن يرتدي لباسه العربي التقليدي توجه إلى دائرة الجنسية لإكمال بعض المعاملات الروتينية. وأثناء انتظاره، لمح أحد أعضاء المجلس البلدي فركّز عليه. وبعد أن أكمل معاملته وغادر المكان، سأل أحد المارة عمّا إذا كان هذا الرجل هو من يظنه، ليأتيه الجواب بالإيجاب. عندها قال المسن إن هذا الرجل قد ساعده سابقًا، ولكنه يخفي خلف مظهره تاريخًا أسود.
مع مرور الوقت، صدرت أوامر بإلقاء القبض على ذلك العضو، حيث تبيّن لاحقًا أنه كان قاطع طريق ومسؤولًا عن مقتل شقيق الرجل المسن في جريمة قديمة لم تُحَل. أُحيل العضو إلى السجن، لكن سرعان ما بدأت معالم فساد جديدة بالظهور؛ فبفضل نفوذه واتصالاته الواسعة، استطاع أن يقضي لياليه في بيت شقيقه، على أن يعود إلى السجن صباحًا دون رقيب أو حسيب.
اقترب موعد محاكمته بعد ثلاث أسابيع، وشعر بالخطر يحدق به أكثر من أي وقت مضى. وكعادته، خرج ليلًا إلى منزل شقيقه، لكنه لم يعد إلى السجن في صباح اليوم التالي. انطلقت قوة بقيادة النقيب المسؤول عن المركز للبحث عنه، ولكنهم لم يعثروا له على أثر؛ فقد هرب، تاركًا خلفه قضيته دون حساب.
المفارقة الكبرى جاءت بعدها، فبدلًا من أن يُعاقب المجرم الهارب، حُوِّل النقيب المسؤول إلى مجلس تحقيق. أُدين ضابط الشرطة، وتم تجريده من رتبته وإحالته إلى التقاعد كأنما كان هو الجاني الحقيقي. ولم تكتمل مأساة هذا الظلم إلا عندما صدر أمر وزاري بتعيين المجرم الفار في رتبة رائد، وتكليفه بدورة تدريبية قصيرة، عاد بعدها ليتولى منصب مدير السجن الذي كان مسجونًا فيه!
وهكذا، أصبحت المأساة أكثر وضوحًا، عندما جلس القاتل خلف مكتبه الجديد كمدير للسجن، بينما أُجبر الضابط الشريف الذي حاول القيام بواجبه على مغادرة عمله. وأصبح العراق أمام مشهد لا مثيل له من الظلم، حيث يدير المجرمون السجون، وتتم معاقبة الشرفاء.
حُفظت تفاصيل المدينة وأسماء الأشخاص طي الكتمان، ليكون الهدف من القصة هو استيعاب معاني الظلم المتجذّر والفساد المتغلغل دون تشتيت القارئ في تفاصيل شخصية، ولتبقى تلك القصة رمزًا للعديد من الجرائم المستترة التي لم تجد حقها في العدالة.

شاهد أيضاً