كانت مشاهد مؤلمة تلك التي تسربت لمقتل عناصر من القوات السورية الحكومية، تلتها مشاهد أكثر بشاعة وإيلاماً لمذابح طائفية ضد العلويين في مناطق الساحل السوري، والأرقام تراوحت بين العشرات والمئات، وبعض المصادر تتحدث عن آلاف المدنيين العلويين، وآلاف أخرى نزحت للبنان المجاور.
يمكن تقديم شروحات لما جرى تتناول هشاشة النظام القائم بعد سقوط وهرب بشار الأسد، وتحاول فهم أو تبرير ما جرى على أنه وضع طبيعي مؤسف لمرحلة انتقالية لا تخلو من الفوضى والفراغ الأمني والسياسي والعسكري للدولة التي لا تزال تحبو بعد عقود من القهر والاضطهاد والقتل والتعذيب والتشريد والتهجير والدمار، وبأن فصائل غير منضبطة كانت وراء تلك البشائع المخزية، وبأن بعض تلك الجرائم ارتكبتها بقايا وفلول النظام نفسه في محاولة يائسة لإشعال حرب أهلية طائفية، وأن بعض الفيديوهات مفبركة من قبل فلول النظام أنفسهم، كما يمكن الإشارة بإصبع الاتهام لإيران التي تريد أن تهدم المعبد على من فيه بعدما تجرعت “كأس السم” بهرب حليفها بشار الأسد، وتحطم كل ما بنته ليس في سوريا وحسب، وإنما في لبنان الذي صرفت “دم قلب” شعبها على “حزب الله” فيه، ليصبح كل ذلك أثراً بعد عين.
كتبت مقالة في يناير (كانون الثاني) 2012 بعد عام من اندلاع الثورة بأن النظام سيعمل على “حرف مسار الأمور نحو طائفية يعمل على تأطيرها في كل مدن سوريا وقراها وبلداتها وضيعها، لتكون اللبننة هي السيناريو الأخير في محاولات البقاء اليائسة، كي يبقى النظام ضمن فوضى متناثرة تُسقط سوريا ولكنها تبقي على بقايا النظام”.
وأضفت في مقالة أخرى في فبراير (شباط) من العام نفسه أن نظام بشار يعمل على “تدبير الأمور ضمن سيناريو فوضى يراهن على أن يكون أكبر لاعبيه داخل سوريا، بتعبئة الأقليات من العلويين والمسيحيين والدروز وتخويفهم من بعبع السنّة القادمين لذبحهم”.
إن ما جرى في سوريا لا يمكن تبريره تحت أي مبرر، وعلى الحكومة السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع أن تعمل بحزم وفق ما وعدت به، سوريا لكل السوريين ومحاسبة العناصر المجرمة حتى لو كانت من فصائل مقربة منه ومن “هيئة تحرير الشام”، وليبدأ السيد الشرع بتفكيك وطرد العناصر غير السورية مثل “أنصار الإسلام الكردية” و”أجناد القوقاز الشيشانية” و”الحزب الإسلامي التركستاني” القادم من جمهوريات وسط آسيا.
إن إعادة الظلم هو إعادة لنظام الأسد، فمعارضة نظام الأسد من قبل شعبه ومساندتهم من قوى الخير في كل مكان كان معارضة للظلم والقهر والقتل والطغيان والقتل الطائفي، واستنساخ ممارسات شبيحة الأسد بصيحات مختلفة لا يغير من بشاعتها ولا من “أسديتها” وإن اختلفت طوائف الشبيحة والقتلة هذه المرة.
وليست كل الأخبار الواردة من سوريا هذه الأيام دامية ومخزية، فقد جاء توقيع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية بقيادة مظلوم عبدي مع الحكومة السورية في دمشق برئاسة أحمد الشرع لانضواء “قسد” تحت الدولة السورية مبشراً بأمل توحيد سوريا ثانية، ولملمة جراح التشرذم الذي عاشته طوال سنوات البطش والطغيان على مدى 14 عاماً، وتسليم المناطق الشرقية الشمالية التي تسيطر عليها “قسد” للدولة المركزية في دمشق، ولعل هذا الاتفاق التاريخي يهدئ النفوس ويطمئن الناس ويبعث فيهم روح الأمل بمستقبل أفضل لسوريا الجديدة، لكن الأهم من كل التواقيع هو قطع الطريق على عودة الأسد عبر الضرب بحديد على الممارسات “الأسدية” الطائفية المقيتة بكل أنواعها.
نقلا عن إندبندنت عربية