السياسي – يلتقي رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، اليوم، في واشنطن مبعوث الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف، ومن المنتظر إعلانهما انطلاق مفاوضات المرحلة الثانية من الصفقة، التي كان يفترض أن تبدأ في الدوحة اليوم، لكن نتنياهو ارتأى تأجيلها ريثما ينتهي من الاجتماع الحاسم يوم الثلاثاء مع الرئيس ترامب.
ويطمع نتنياهو بإطالة أمد المرحلة الثانية من الصفقة، وتقسيمها لعدة أجزاء لتيسير عملية تمريرها، فهي وجبة صعبة الهضم عليه وعلى ائتلافه القومجي المتشدد، ولذا، وفي التزامن، سيسعى لدفع واشنطن لمساعدته في إسقاط حركة “حماس”، وعدم الاكتفاء بتطبيع مع السعودية، وغيره من الهدايا والعطايا الأمريكية المتوقعة.
ولذا بادر نتنياهو لإرجاء بدء المداولات حول المرحلة الثانية من الصفقة إلى ما بعد الاجتماع الحاسم في البيت الأبيض، على أمل أن ينجح بإقناع ترامب بالإطار والمضمون السياسيّين للمفاوضات، أي كل ما يتعلّق بإنهاء الحرب على غزة، الانسحاب من القطاع، ومستقبله، والأهم مستقبل “حماس” كسلطة حاكمة.
مثل هذه النقاط تبدو أكثر أهمية بالنسبة لنتنياهو من بقية مضامين الصفقة، كأعداد الأسرى، وهويتهم، وكمية ونوعية المساعدات الإنسانية، ومعبر رفح، وغيره.
تصفية “حماس”
وفي لقائه الأول مع ترامب كرئيس في ولايته الثانية، من المرجح أن يركّز نتنياهو، خلال عرض مطالبه، على دعم أمريكا لـ”تصفية حماس”، لأن بقاءها في الحكم يعني فشل إسرائيل في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب. كما أن بقاء “حماس” في الحكم سيصعّب على نتنياهو، رافع شعار “النصر المطلق”، إقناع شركائه بضرورة تقديم تنازلات على شكل قبول وقف الحرب، وإتمام الصفقة، مقابل مكاسب كبرى، كالتطبيع مع السعودية، تعهّد أمريكي بمنع إيران من حيازة سلاح نووي، وتعهّد بتنحية “حماس” من الحكم ليس بتجديد الحرب، إنما بطريقة الحصار، ورهن الإعمار بذلك، وربما الوعود بمتابعة فكرة تهجير الغزيين.
وتؤكد صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم الإثنين، أن إنزال “حماس” عن واجهة الحكم في القطاع هو الهدف الأهم بالنسبة لنتنياهو وحكومته، وتنقل ذلك عن مصدر في البعثة الإسرائيلية. وتوضح “هآرتس” أن هذا المصدر المذكور محجوب الهوية يرفض أن يفصح عما إذا كانت إسرائيل ستدفع نحو تطبيق المرحلة الثانية من الصفقة بحال عدم وجود وعد أمريكي بتحقيق هذه الغاية الأهم (إسقاط حماس).
يشار إلى أن ترامب سبق أن قال إنه لا يمكن تمكين “حماس” من السيطرة في غزة، لكن الإدارة الأمريكية تلمح تباعاً بأنها غير راغبة بتجديد الحرب.
ترامب، كما يبدو في الأيام الأولى من ولايته الثانية، متقلّب المزاج يتعامل بصرامة وبقوة مفرطة، مشغول بحاله، ومسكون بجنون العظمة، عينه الآن على تطبيع وسلام بين إسرائيل والسعودية، ضمن اتفاق يفتح الباب أمام استثمار السعودية تريليون دولار في الولايات المتحدة، ويشق له الطريق لأوسلو، حيازة جائزة نوبل للسلام، ليتفرّغ لعدد كبير من القضايا الساخنة التي تشغله في الداخل والخارج.
جسر الهوة في المواقف؟
نتنياهو المجرّب في السياسة، والخبير بالشؤون الأمريكية، يدرك تماماً خطورة معاندة ترامب، ولذا ستكون عملية التوافق معه الأولوية الأولى في تحركاته الحالية، بيد أنه سيحاول إقناعه بما يكفي لمحافظته على ائتلافه من الانهيار في ذات الوقت، فالكثير من وزرائه ونوابه يستصعبون التعايش مع بقاء “حماس” في الواجهة، بعد حرب بربرية طويلة جداً ومكلفة للجانب الإسرائيلي أيضاً.
من المرجّح أن تلجأ الإدارة الأمريكية لجسر الفجوة بين المواقف والمصالح عبر محاولة خنق “حماس” بالحصار، وبِرهن الإعمار والمساعدات بتنازلها عن واجهة الحكم، أو حلّ خارج الصندوق يمكّن الأطراف المعنية بالتعايش معه، كحكومة تكنوقراط فلسطينية، أو حكومة فلسطينية مشتركة لـ”حماس” والسلطة.
حسابات السعودية
في هذا السياق، يقول المصدر الإسرائيلي المذكور من قبل صحيفة “هآرتس” إنه متفائل حول إمكانية موافقة “حماس” على تخفيف سيطرتها، لكنها لم تقدم خطة لإنهاء حكمها.
وتنقل الصحيفة ذاتها عن “مصادر مطلعة” قولها إن إدارة ترامب معنية بمفاوضات ناجعة، وترامب نفسه ينوي أن يكون أكثر تداخلاً وهيمنة فيها.
وفي آخر تصريح له، قبل ساعات، قال ترامب إن المداولات مع إسرائيل ودول المنطقة حول التطبيع والسلام تتقدم.
أما نتنياهو، فقد قالت تسريبات صحفية عبرية إنه اهتم، قبيل سفره، بالحديث مع رؤساء الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم عن تقدم حقيقي في موضوع السعودية، وهذا في نطاق محاولاته لإقناعهم بتقديم مرونة في مواقفهم، وقبول الطلب الأمريكي بوقف الحرب، مقابل وعد وتعهّد من الإدارة الأمريكية بالعمل على إسقاط “حماس” من سدة الحكم داخل القطاع، علاوة على التطبيع مع السعودية، ومنع إيران من سلاح نووي، وغيرها من “الهدايا والعطايا”.
من غير المستبعد أن يحاول نتنياهو الرقص في عرسين بإرضاء ترامب وسموتريتش، رغم تعاكس الرؤى، وذلك من خلال التساوق مع رغبات ووعود ترامب وإقناع سموتريتش وبقية الجهات المتشددة بأن إتمام الصفقة يفتح الطريق لتطبيع هام جداً مع السعودية، دون التزام حقيقي فعلي بتسوية الدولتين، ودون أن يكون هذا عائقاً أمام معاودة الحرب على غزة لاحقاً، وبأن ترامب سيتابع فكرة تهجير الغزيين الخ.
من غير المستبعد أن يستنسخ نتنياهو تجربته مع باراك أوباما، عندما اضطر لإعلان موافقته على دولة فلسطينية في خطاب بار إيلان، عام 2013، دون تطبيق عملي على الأرض، وكذلك استنساخ تجربة اتفاقات أبراهام وصفقة القرن التي تحدثت عن تسوية دولتين بقيت حبراً على ورق.
نتنياهو، بتجربته وحالته السياسية المركبة، لن يتردد بمحاولة التغرير بالولايات المتحدة وبالسعودية، من خلال استدراجها لدائرة التطبيع دون دفع فواتير سياسية، ودون الموافقة على طلبات وشروط تمنح الرياض غطاء، وتحمي مكانتها ودورها، بل بالاكتفاء بوعود، وبفرض الحقائق على الأرض.
هل يرضى سموتريتش بذلك؟
سموتريتش، الذي سبق أن قال، في اجتماع تم تسريب مضمونه، إن نتنياهو كاذب ابن كاذب، يفضّل البقاء في الحكم، لأن الخروج لصحراء المعارضة من شأنه أن يشكّل انتحاراً له، لا سيّما أن استطلاعات الرأي تتنبأ له بالسقوط في أي انتخابات قادمة. وفي المقابل، هناك أوساط في حزبه تفضّل “عصفوراً باليد”، على شكل مواصلة الحرب حتى إسقاط “حماس”، بدلاً من “عصافير على الشجرة” على شكل وعود أمريكية متنوعة.
وهناك خيارات أخرى أمام نتنياهو، منها ربما المغامرة باستجارته بالإسرائيليين، من خلال الذهاب لتطبيع مع السعودية، مقابل وقف الحرب، وتعهّد معلن بتسوية الدولتين، وحل الحكومة والذهاب لانتخابات، أملاً بأن يغفر له الإسرائيليون ويبقونه في الحكم وفي التاريخ بفضل التطبيع مع السعودية، رغم الفشل في الحرب، ورغم عار السابع من أكتوبر.