السياسي – في هذه اللحظة الحرجة، يزحف أكثر من ستين ألفا من جنود الاحتلال واحتياطاته نحو غزة، يفتشون البيوت، ويطاردون الخيام، ويحوّلون المدينة إلى جحيم مفتوح. والعالم يتابع عبر الشاشات كما لو كان يشاهد فيلما وثائقيا، بينما وزير صهيوني أمريكي يتنقّل بين العواصم ليطلب الاستسلام، ويهدد بالمزيد من الدماء.
وفي المقابل، يجتمع قادة الأمة في مؤتمرات وقمم لا تملك إلا أن تبدي “الانزعاج” و”الاستياء” من “بعض التصرفات غير الجيدة”، وكأننا أمام مشهد هزل يُكرَّر منذ عقود.
أولا: البعد السياسي
المشهد السياسي اليوم يعكس توازن قوى مقلوبا، فالكيان الصهيوني يفرض واقعا بالنار والحديد، وأمريكا تدير المسرح وتستخدم الحلفاء العرب كأدوات ضغط. أما القمم العربية والإسلامية فتكتفي بالتصريحات الدبلوماسية التي لا توقف قذيفة ولا تفتح معبرا.
هذا ليس عجزا محضا، بل هو خذلان مقصود، يترك غزة وحدها، تمهيدا لمخطط التهجير إلى سيناء، حيث يُراد لمصر أن تتحمل وزر الجريمة، إما بالمنع بالقوة أو بالمشاركة في الإبادة الصامتة.
ثانيا: البعد الشرعي
الإسلام رسم للأمة منهجا واضحا في مثل هذه اللحظات: قال تعالى: “وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق” (الأنفال: 72)، وهذا نص قاطع يُحمّل الأمة كلها مسؤولية نصرة غزة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” (متفق عليه). فأي خذلان اليوم إنما هو هدم لبنيان الأمة من أساسه.
وحذّرنا صلى الله عليه وسلم بقوله: “من خذل مسلما في موضع يحب أن ينصر فيه، خذله الله في موضع يحب أن يُنصر فيه” (أبو داود).
الخذلان إذا ليس موقفا سياسيا فحسب، بل هو إثم شرعي وسقوط أخلاقي أمام الله والتاريخ.
ثالثا: البعد التوعوي
علينا أن ندرك أن الاحتلال لا يسعى فقط إلى قتل الأجساد، بل إلى كسر الروح وتحويل الأمة إلى شعوب متفرجة.
والإعلام الموجّه يحاول إقناعنا ب ما يجري “أمر عادي” أو “خارج قدراتنا”، والحقيقة أن كل فرد في الأمة قادر أن يغيّر عبر صوته، وماله، ومشاركته، ووعيه.
إن التطبيع الإعلامي مع الجريمة أخطر من الجريمة نفسها، لأنه يجعلها “مقبولة”.
رابعا: البعد التعبوي
أمام هذا المشهد، ما العمل؟
1- شعبيا: الخروج في مظاهرات سلمية، وحملات إلكترونية، ونشر الوعي، وفضح المتواطئين.
2- اقتصاديا: مقاطعة منتجات الداعمين، وتوجيه المال للغذاء والدواء والدوائر الموثوقة.
3- سياسيا: مطالبة الحكومات بمواقف عملية، ورفض الخطاب الرمادي.
4- شرعيا: العودة إلى فقه الجهاد والنصرة، وتربية الأجيال على أن قضية فلسطين ليست “خبرا عابرا”، بل هي قضية عقدية في صميم ديننا.
خاتمة: يا أبناء الأمة: غزة اليوم ليست وحدها، بل هي مرآة لكرامتنا جميعا. إذا صمتنا على تهجيرها وإبادتها، فسيمتد الدور إلى عواصمنا واحدة تلو الأخرى.
ولْنتذكر وعد الله: “ولينصرنّ الله من ينصره” (الحج: 40]، فالنصر مشروط بالعمل لا بالشجب، وبالموقف لا بالمجاملة.
فلنكن على قدر الأمانة، ولنحمل لواء النصرة بالكلمة والعمل والمال والموقف، حتى يعلم العالم أن الأمة لم تمت، وأن غزة ليست وحدها في الميدان.
-محمد عماد صابر