غزة تحت الحصار والموت: حين تتحوّل المساعدات إلى فخاخ، والجوع إلى سلاح، والصمت إلى جريمة

بقلم : فراس الطيراوي / شيكاغو

لم تعد غزة تبحث عن الحياة، بل عن النجاة من الموت المؤجل. في قطاع محاصر حتى الرمق الأخير، تتحوّل كل لقمة خبز إلى معركة، وكل قطرة ماء إلى انتصار مؤقت على الإبادة.

ليست هذه حربًا تقليدية. إنها سياسة إفناء بطيئة، ممنهجة، تُدار بأدوات التجويع والحرمان، وتُغطى بشعارات إنسانية خادعة. لم تعد الصواريخ وحدها تقتل، بل الجوع والعطش والمرض واليأس.

فالبيوت سُوّيت بالأرض، والمدارس باتت قبورًا جماعية، والمستشفيات خرجت عن الخدمة تحت وطأة الحصار والدمار. لا ملاجئ. لا أماكن آمنة. لا خطوط حمراء. فقط خيام ممزقة تتزاحم فيها الأجساد المنهكة، بانتظار غارة جوية أو قذيفة تسلبهم البقية الباقية من الحياة.

في هذا المشهد الكارثي، تصرّ واشنطن — وتحديدًا إدارة دونالد ترامب — على تكرار الكذبة: “نُرسل مساعدات لغزة”. لكنه كذب وقح. فهذه المساعدات، في كثير من الأحيان، لا تصل. وإن وصلت، تُقصف. كأنها إشارات مستهدفة، أو طُعوم مُعدّة بدقة لاصطياد الجائعين.

بل إن شهادة جندي أمريكي سابق تكشف ما هو أبشع. طفل فلسطيني، مشرّد، اقترب منه في لحظة براءة، وقبّل يده الصغيرة كأنما يطلب الحماية. لحظات بعدها، أُردي الطفل قتيلاً برصاصة جندي إسرائيلي. أي جنون هذا؟ أي وحشية ترى في قبلة طفل تهديدًا يستوجب القتل؟

ما يحدث في غزة ليس نزاعًا مسلحًا. إنها عملية تطهير عرقي موثقة بالصوت والصورة، تُنفَّذ على الهواء مباشرة، وبتمويل سياسي وعسكري من دول تتغنّى بحقوق الإنسان والديمقراطية.

لم تعد الكلمات تكفي. ولم تعد الشرعية الدولية تملك من الشرعية شيئًا. أين الأمم المتحدة؟ أين مجلس الأمن؟ أين القانون الدولي الإنساني؟ لا شيء سوى صمت مُخزٍ، يُشبه التواطؤ إن لم يكن أسوأ.

 

اليوم، لم يعد الصراخ في وجه العالم ترفًا. إنه واجب.

أن نقول كفى موتًا، كفى نفاقًا، كفى دعمًا لقاتل، ليس مجرد شعار، بل معركة بحد ذاتها.

فغزة لا تموت فقط بقصف الطائرات، بل تموت أيضًا بصمتنا.

*ناشط وكاتب عربي فلسطيني ،عضو الامانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام.