سأظل أتذكر ما نشرته صحيفة جروساليم بوست قبل ثماني عشرة سنة، يوم 8-12-2007 عن خطة إسرائيل لمستقبل غزة، هذا المشروع يبدأ أولاً بالحرب على غزة، ثم تسليم غزة لحلف الناتو، صرحت بذلك، تسفي ليفني رئيسة حزب كاديما السابق، وأيدها أفيغدور ليبرمان نائب رئيس الوزراء، إيهود أولمرت في ذلك التاريخ!
كانت تسفي ليفني في ذلك الوقت تنوي السفر إلى بلجيكا للمشاركة في الاحتفال السنوي لحلف الناتو، لبحث الملف النووي الإيراني مع كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية، أما الملف الثاني فهو ملف مستقبل قطاع غزة، ووصاية حلف الناتو على قطاع غزة!
كشفت الصحيفة بأن إسرائيل كانت تريد إدخال قوات حلف الناتو إلى غزة، ولكنها كانت تخشى من نشر هذه القوات في غزة، لأن نشرها سيحدُّ من قوة الردع الإسرائيلية ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة، غير أن إسرائيل كانت تسعى إلى نشر قوات من حلف الناتو بشرط ألا تمنع هذه القوةُ جيشَ إسرائيل من مطاردة المقاومين في غزة، على الرغم من أن حلف الناتو لم يكن مستعداً لهذه المهمة بسبب تجربته في أفغانستان، وخشيته من الصدام مع المقاومين الفلسطينيين في غزة، كانت تلك الخطة تصب في خانة اعتبار قضية فلسطين قضية صراع محلية، شبيهة بالنزاعات الأخرى كقضية أفغانستان والعراق وغيرها من القضايا!
كانت الخطة نابعة من خطة الألفية الثالثة، ألفية التجارة والغذاء، لا ألفية الحقوق الوطنية والمبادئ الديموقراطية، وكانت ترتكز على تنشيط التجارة واعتمادها لتكون بديلاً عن (الحقوق الوطنية) وهي بالتأكيد تهدف لإعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد، بدون الحقوق الفلسطينية المشروعة في وطنهم، وهي بالتأكيد تهدف إلى جعل هذه الحقوق، نزاعاً محلياً بين السكان الفلسطينيين والإسرائيليين، وكان الهدف الرئيس هو أن يُجبر الفلسطينيون والعرب على إلغاء جوهر الصراع، من صراع على الحقوق الفلسطينية المشروعة ليصبح الصراع على مطلوبات الحياة المادية، حتى لو أدى ذلك إلى تأسيس (هيكل) يُطلق عليه اسم دولة فلسطينية منزوعة السلاح!
وبحسب وجهة نظر، تسفي ليفني يجب على العالم أن يتعامل مع المقاومة الفلسطينية كقضية إرهاب عالمية، باعتبار المقاومة في غزة هدفها تأخير عجلة التقدم الاقتصادي والحضاري في العالم، وأن أي مقاومة في غزة تستهدف الاستقرار العالمي!
أما قضية اللاجئين الفلسطينيين فيجب أن تتحول من حقوق وطنية فلسطينية مشروعة لتكون قضية لاجئين دولية تشبه لاجئي دارفور، والبوسنة، والسودان، وحتى لاجئي الفيضانات في إندونيسيا، ووفق هذا المنظور يجب إلغاء منظمة الأونروا، واتباع اللاجئين الفلسطينيين لملف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، وهذا الملف ما زال يقع ضمن أولويات حكومة إسرائيل حتى اليوم، لأن الكنيست الإسرائيلي حظرتْ الأونروا يوم 25-1-2025 ومنعتها من تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال، واعتبرتها منظمة محظورة على الرغم من أنها ما تزال تحظي بإجماع دولي!
عندما كنت أنشر تلك الأخبار كان كثيرون لا يقرؤونها، أو يتجاهلونها ساخرين، مع العلم أن ملفات مراكز الدراسات والأبحاث في إسرائيل تعتبر منابع أفكار الزعماء السياسيين، لأن السياسيين الإسرائيليين يقرؤون كل ما تُنتجه مراكز الأبحاث والدراسات، إليكم قائمة بأسماء أبرز خبراء مراكز الدراسات والأبحاث في إسرائيل، هؤلاء ليسوا مؤثرين في سياسيي إسرائيل فقط، ولكنهم معتمدون عالمياً! ففي علم الديموغرافيا أو علم السكان (Demography) هو العلم المختص بدراسة خصائص السكان الإثنية، مثل الكثافة السكانية، والتوزيع الجغرافي، والنمو، والحجم، بالإضافة إلى الخصائص الأخرى، ومنها المؤثرات الاجتماعية، مثل: التنمية، والتعليم، والتغذية، والثروة. برز البرفسور، سيرجيو ديلا فرغولا، Sergio Della Pergola المولود في إيطاليا 1942 هو خبير ديموغرافي مميز في إسرائيل والعالم، هاجر عام 1966 إلى إسرائيل، حصل على الدكتوراه من الجامعة العبرية، وهو اليوم أبرز المحاضرين في جامعات العالم، فهو أستاذ في جامعات إكسفورد، وكاليفورنيا، وشيكاغو، وهو من أعضاء مركز بيو للدراسات والأبحاث البارزين، ومستشار رئيس دولة إسرائيل، كتب عشرات الكتب عن الجاليات اليهودية في أوروبا.
أما الخبير الديموغرافي الآخر البارز فهو أرنون سوفير، Arnon Seffer هو خبير المياه الأول في إسرائيل، ولد عام 1935، هو مِن مؤسسي جامعة حيفا، عدو الفلسطينيين الأول في الجامعة، خريج كتيبة الناحال الأصولية، التحق بها بعد تخرجه من الجامعة العبرية، هو عميد كلية العلوم الاجتماعية في حيفا. وهو أول مَن اقترح تبادل الأرض بتجمعاتها السكانية الفلسطينية الكبرى منذ عام 1948، وضع مخططَه لإزاحة سكان وادي عارة، وإلحاقهم بالدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها، وفي المقابل إلحاق كل الكتل الاستيطانية الاحتلالية في الضفة الغربية بإسرائيل، هو اليوم مشغولٌ برسم خريطة جديدة، يُكمل بها مسيرته الخرائطية، لتأسيس دولة الأسوار والمعازل العرقية، ليبنيَ سور إسرائيل الجديد، حول غور الأردن!
أما الباحث الإسرائيلي، غيورا أيلاند مبتدع خطة التخلص من قضية فلسطين، بتوسيع قطاع غزة نحو سيناء، هو قائد فصيل في الكتيبة 890، تولى عام 2001 رئاسة قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي، وهو قسم يتولى تخطيط ميزانية الجيش والاستثمارات والطوارئ والتدريب والمشتريات، كان غيور أيلاند مرافقا لشمعون بيرس في جولات المفاوضات مع الفلسطينيين، كما مثل الجيش في المحادثات مع المسؤولين الأميركيين وغيرهم.
ظللتُ مواظباً على التعرف على اختصاصات الجامعات في إسرائيل، فقد صاغتْ إسرائيلُ من جامعاتها مسبوكاتٍ مختلفة لإنتاج الأفكار والثقافات؛ وتعلمتْ من تجارب الدول المتقدمة كيفية تنويع الجامعات وتعيين مناهج دراستها!
فجامعة التخنيون في حيفا تُنتجُ إبداعات واختراعات علمية محكّمة، وتعقد الشراكات مع الجامعات الأخرى في العالم، أما جامعة بن غريون في النقب، فهي مصنعٌ لإنتاج الفكر الفلسفي والتاريخي وهي تلقب بجامعة الحداثة، أما الجامعة العبرية في القدس، فهي مقرٌ لدراسة تواريخ الشعوب، وجمع الوثائق والمخطوطات لفائدة الدارسين، أما جامعة بار إيلان، جامعة التيار الديني الصهيوني في شرق تل أبيب، فهي ترسم الخطط لاغتصاب الأرض الفلسطينية، وجلب المهاجرين، أما جامعة أرئيل المستعمرة فوق أراضي مدينة سلفيت الفلسطينية، وكذلك جامعة تل أبيب فهما حاضنتان للأفكار الحديثة مختصتان بالرقمنة ووسائل الاتصال والإعلام.
أما جامعة رايخمان أو هرتسيليا سابقاً فهي جامعة مختصة بعقد المؤتمرات العلمية الدولية والمحلية، وعلوم القانون، وهي جامعة حديثة أُسست عام 1994.
