غزة تستعيد فلسطين من بريطانيا!

بكر أبوبكر

ما كان على المملكة المتحدة التي انتدبت من قبل منظمة عصبة الأمم على فلسطين (عام 1922م) الا أن تحقق دولة فلسطين في الثلاثينيات من القرن العشرين فهي أي فلسطين كانت متقدمة ومؤهلة أكثر من معظم دول العرب الأخرى وغير العرب.
ما كان على بريطانيا العظمى الاستجابة لمطالب “لاسامية” بريطانية أمعنت في تغليف عملية طرد يهود انجلترا وأوربا من بلادهم، الى فلسطين بغلاف استعماري (استخرابي) أو بغلاف أنهم يحققون نبوءة (خرافة) عودة المشتتين الافتراضيين لأرض فارقتهم (حسب الخرافات) من آلاف السنين!
وما كان على بريطانيا (العظمى) إلا أن تبتعد قليلًا عن عنصريتها البيضاء التي قتلت شعوبًا ودمرت ممالك وأراضٍ ودول في كل من آسيا وافريقيا وأمريكا، لكن الغطرسة والإباء والكِبْر البريطاني (العظيم) كان يسير في ركاب تفتيت المنطقة العربية التي أرهقت والدولة العثمانية أوربا قرون طويلة.
بريطانيا التي سارت على نهج تدمير وتفتيت المنطقة، كما فعلت في كل المناطق التي احتلتها شرقًا وغربًا وحتى اليوم، وزرع فكرة (الصهيونية) فيها وجدت بالنازية مدخلًا عظيمًا للتعاون ما جعل من اليهود الألمان الهاربين من النازية وبالدعم الانجليزي موئلًا لهم في فلسطين وكان الأجدر أن يكون موئلهم حيث كانت عملية تصفيتهم أي في ألمانيا أو أي من دول أوربا التي اضطهدتهم قرونًا في بلادهم.
تاهت الحركة الصهيونية المتأثرة بعصر القوميات الأوربية لتخلق (قومية يهودية) في البداية بين اختيار أوغندا أو كينيا او الأرجنتين أو ليبيا، أو بمنطقة في روسيا او غيرها…لما تسميه وطنها القومي، حتى تكرست فلسطين لأسباب عملية واستعمارية، وتوراتية لمن يشاء من غلاة المسيحية الصهيونية وإرهابيي الصهاينة المتدينين.
قامت الاستعمارية الانجليزية في فلسطين بعمل تأهيل ممنهج إداري واستخباري وعسكري وجغرافي واقتصادي وانساني للمهجّرين اليهود المطرودين من أوربا الى فلسطين، دام 30 عامًا انتزعت فيه (بريطانيا العظمى) كل مقومات التطور والنمو والتقدم التي هي سمة العرب الفلسطينيين، بل وافقرتهم ومنعت عنهم تولي شؤون بلادهم حتى أصبحت قوة (العصابات) اليهودية في فلسطين تفوق العربية والعربية الفلسطينية بمئات المرات.
مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج بريطانيا المحتلة من مستعمراتها ومنها فلسطين كانت عملية متدرجة من التمكين الميداني النهائي للعصابات الصهيونية بالأعوام 1947-1948م، وبقيادة “بن غوريون” حتى كان قرار التقسيم 181 لأرض فلسطين ما بين دولة عربية فلسطينية ودولة لليهود المهجّرين من اوربا وغيرها.
سقطت بريطانيا عند حدود عقليتها المتغطرسة والعنصرية والاستخرابية (الاستعمارية) بالإضافة لرغبات تدمير وتفتيت المنطقة بعناصر عقدية (صليبية) قديمة، وبرغبة استمرار الهيمنة والسيطرة التي كانت تفلت من بين أيديها لصالح أمريكا آنذاك وحتى اليوم.
اختارت المملكة المتحدة أن تقف مع تراثها الاستعماري وعقلية الهيمنة حتى في ظل التصاعد للامبريالية الأمريكية بعد الحرب الأوربية الكبرى (ما تسمى العالمية 1939-1945م) فوقفت مع الدولة الإسرائيلية التي أقيمت على أرض فلسطين دون أن تقوم الدولة العربية الفلسطينية فخاضت كل الحروب العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاعلامية ضد الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها عام 1965م وما قبلها وما بعدها حتى اليوم وضد الشعب الفلسطيني الأبيّ، ورغم أنها مُدانة للشعب الفلسطيني بورقة بلفور عام 1917 ثم صك الانتداب وقرار التقسيم الذي أخرت به الاعتراف بدولة فلسطين…والكثير الكثير بالتاريخ.
فلسطين ما بين الدولة الواحدة الديمقراطية على أرض فلسطين لكل الديانات، وما بين المتاح على الأرض أي بحدود العام 1967م لم تعفِ دول الاستعمار الاوربي القديم من النظرة السياسية الاستكبارية المهيمنة ولا من النظرة الحنونة على الكيان الصهيوني، فهي ولزمن طال لم تقبل لا هذه الصيغة ولا تلك!
اليوم يتغير الحال، وذلك نتيجة لتراكمات النضال الفلسطيني العسكري والجماهيري والاعلامي والثقافي والفني والمؤسسي والمجتمعي، والقانوني الدولي وبالدعم العربي واحرار العالم، وأيضًا السياسي والدبلوماسي والأخير الذي كانت لحظته العظمى مع خطاب الخالد ياسر عرفات عام 1974م ثم مع الاعتراف العالمي بدولة فلسطين بعد اعلان الاستقلال الفلسطيني بالجزائر عام 1988م، ثم ماكان من الاعتراف الاممي عام 2012م بجهود الرئيس أبومازن حتى وصلت الدول المعترفة بدولة فلسطين اليوم (عام 2025م) 149 دولة والعدد يتزايد مع الاعتراف الاوربي المتدحرج الذي آخره (نوايا) الاعتراف الانجليزي القادم.
دم الشعب الفلسطيني النازف اليوم خاصة بغزة، وتضحيات الفلسطينيين والعرب وكل أحرار العالم لأجل فلسطين طوال أعوام الثورة والمقاومة الفلسطينية، وبعد عامين من المقتلة والنكبة الثانية لفلسطين بغزة والضفة هل تكون قد تركت آثارها على السياسة الانجليزية فوعت المطلوب وتصاريف الزمن الذي لا يعود للوراء؟
بريطانيا لماذا اليوم؟ قد يكتب الكثير لاسيما مع الزخم الذي صنعته السعودية وفرنسا بمؤتمر تطبيق (حل الدولتين) في نيويورك شهر 7 للعام 2025م، ولكنها أخيرًا تقف على مسافة من الأفكار التوراتية المشبعة بالخرافات والأساطير، كما قد تقف قليلًا بمسافة عن إرثها الاستكباري الاستعماري الأسود وإلقاء فلسطين في غياهب الدهر لأكثر من 100 عام حتى الآن.
قال الأمين العام للأمم المتحدة بمؤتمر نيويورك أن “الوقت ينفد، وقيام دولة فلسطينية حق وليس مكافأة”.
هل تكون بريطانيا (التي بنيتها الاعتراف!؟) قد وقعت تحت ثقل (المسؤولية التاريخية) منذ الورقة أو الوعد المشؤوم عام 1917 وما قبلها، وماتلاها من انتداب/احتلال؟ لاسيما أن هناك اعتراف متزايد داخل المؤسسات البريطانية بهذا العبء الكبير؟ أم أنها استجابة للوعي الجماهيري والضغط الشعبي البريطاني المتزايد في ظل المقتلة والكارثة والأزمة الانسانية المستفحلة نتيجة العدوان الصهيوني-الامريكي في غزة؟ أم أن ذلك لسبب تصاعد موجة أوروبية للاعتراف بفلسطين، خاصة مع إعلان فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وضغوط أممية ودولية تزايدت مؤخرًا لدفع العملية السلمية.أم لقوة القانون الدولي أم ماذا؟
في جميع الأحوال فإن تصحيح الخطأ البريطاني واجب طال أمده، وتحقيق الدولة الفلسطينية على المتاح من أرض فلسطين جزء من حق، وهو أقل الواجب على المستعمر الانجليزي القديم الذي اشتهر ببروده الشديد حتى رشقت وجهه دماء الشعب الفلسطيني لأكثر من 100 عام، واليوم إثر مقتلة غزة وكارثة فلسطين العظمى. https://bakerabubaker.net/