يواصل أطفال قطاع غزة دفع الثمن الأكبر للصراع المستمر: فقد حولت قرابة عامين من القصف الإسرائيلي، والذي بلغ ذروته في آخر عملية برية نفذها الجيش، المدارس والأحياء والمستشفيات إلى أنقاض، محرومة بذلك جيلًا كاملًا من الأمن والرعاية والمستقبل.
وبحسب “اللجنة الدولية للإنقاذ” (IRC)، وهي منظمة غير حكومية دولية تأسست في عام 1931 في ألمانيا باسم “جمعية الإغاثة الدولية” (IRA) بناءً على طلب «ألبرت أينشتاين»، يُسجّل في غزة أعلى معدل إصابات الأطفال بفقدان الأطراف في العالم. منذ بداية الحرب، تشير التقديرات إلى أن نحو 4,000 طفل فقدوا أطرافهم، ما يعكس حجم المأساة الراهنة.
وقال «سياران دونيلي»، نائب الرئيس الأول لـ “اللجنة الدولية للإنقاذ”: “هؤلاء أطفال فقدوا أطرافهم، ويستيقظون من النوم وهم يصرخون نتيجة الكوابيس، ولا يشعرون بالأمان حتى داخل أسرهم. فرقنا تبذل قصارى جهدها لدعمهم، لكن بدون وصول آمن وبدون توافر المستلزمات الأساسية، قد يتوقف تعافيهم تمامًا.”
تعود أسباب هذه المأساة إلى القصف المستمر، والانفجارات التي تصيب المناطق المدنية، وتدمير المستشفيات، وعدم القدرة على تقديم الرعاية الطبية الفورية والملائمة. وتشير المنظمات الإنسانية إلى ارتفاع كبير في حالات إصابات الأطفال بجروح شديدة ونتيجة للشظايا، وسط واقع يعاني من الجوع المتزايد ونقص الموارد الطبية المزمن.
ولا يقتصر ثمن النزاع على فقدان الأطراف والمصابين بإعاقات دائمة، بل يشمل أضرارًا نفسية غير مرئية: قلق مستمر، كوابيس متكررة، عدوانية وخوف دائم. فطفولة الأطفال تُنتزع مرتين: جسديًا وروحيًا. كثير من الأطفال، عاجزون عن المشي أو مضطرون للتعايش مع إعاقات دائمة، يُجبرون على التسول أو العمل من أجل البقاء على قيد الحياة. كما أن نقص الأطراف الصناعية، وقلة الكوادر الطبية المؤهلة، وتدمير المنشآت الصحية تجعل إعادة التأهيل شبه مستحيلة.
تضاف إلى ذلك مشكلة سوء التغذية المنتشرة: عشرات الآلاف من الأطفال دون سن الخامسة معرضون لسوء التغذية الحاد، وتعيش مناطق واسعة من القطاع في ظروف تقارب المجاعة. وأظهرت دراسة “اللجنة الدولية للإنقاذ” الشهر الماضي بين 469 عائلة نازحة في غزة، دير البلح، وبعض مناطق خان يونس أن طفلًا من بين كل ثلاثة أطفال تحت سن الثلاث سنوات لم يتناول أي طعام خلال 24 ساعة قبل الاستطلاع، فيما لاحظت نحو ثلاثة أرباع العائلات علامات واضحة لسوء التغذية لدى أطفالها الصغار.
وتتوافق هذه الأرقام مع بيانات الأمم المتحدة التي أعلنت رسميًا حالة المجاعة في غزة باستخدام تصنيف “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” (IPC)، وهو جهاز تابعة للأمم المتحدة لمراقبة مستويات الجوع عالميًا. ويعاني نحو 514,000 شخص – أي نحو ربع السكان – من نقص غذائي حاد، بينهم 280,000 في شمال القطاع فقط. ولتوصيف حالة المجاعة، يشترط أن يعاني %20 على الأقل من السكان من نقص غذائي شديد، وأن يكون طفل من بين كل ثلاثة أطفال يعاني من سوء تغذية حاد، وأن يموت شخصان من بين كل 10,000 يوميًا جراء الجوع أو الأمراض المرتبطة به.
ويؤكد الخبراء أن الجوع، إلى جانب الإصابات، يزيد تعقيد الوضع الصحي ويقلل فرص البقاء على قيد الحياة. وترى وكالات الإغاثة أن الأرقام لا تمثل مجرد إحصاءات، بل مؤشرًا على مستقبل يُحرم منه جيل كامل. وتدعو المنظمات الإنسانية إلى وقف فوري لإطلاق النار وزيادة عاجلة للمساعدات، محذرة من أن استمرار النزاع سيترك آثارًا لا يمكن عكسها على الأطفال، فالحرب لا تنتج فقط فقدان الأطراف والمآسي، بل تخلق صدمات ستنتقل إلى الأجيال المقبلة، مهددة الاستقرار النفسي والاجتماعي للمجتمع بأسره. كل يوم من الصراع يضيف ندبًا جديدة على جيل فقد طفولته بالفعل.