غزة خلف دخان الحرب الإسرائيلية الإيرانية

باسم برهوم

حجبت الحرب الإسرائيلية الإيرانية الانظار عما يجري في قطاع غزة، فحرب الابادة هناك متواصلة ولم تتوقف كي نتوقف عن الاهتمام بها، فبينما الحرب عن بعد تجري على اشدها، بين إسرائيل وإيران، فإن آلة القتل الإسرائيلية مستمرة في حصد أرواح الغزيين، في كل يوم يقتل ويجرح العشرات، ولا يزال جيش الاحتلال ينسف المربعات السكنية في خانيونس وغيرها، ومدينة رفح لم تعد موجودة على أرض الواقع عمليا، والمجاعة والامراض تستفحل، والمشكلة ان الخبر المتعلق بالقطاع غاب تماما تقريبا عن وسائل الاعلام، بما في ذلك تلك القنوات التي كانت تجعل من هذا الخبر مادتها الوحيدة، تركت هذه القنوات قطاع غزة، وكأن حرب الابادة قد توقفت، والخوف في مثل هذه الحالة، ان تستغل إسرائيل الحرب وتستفرد بالقطاع وتنفذ مخططاتها المبيتة واخطرها التهجير القسري.

ومما يجعل الوضع اكثر إلاما، ان الخبر المتعلق بحرب الابادة غاب عمليا عن وسائل الاعلام الدولية، وغاب عن الاهتمام السياسي الدولي. واليوم لا يتحدث احد عن وقف إطلاق النار، ولا الوساطات وحتى عن إدخال المساعدات، فالمواطنون الفلسطينيون في غزة يقتلون ويموتون جوعا، وكأنهم في كوكب آخر. والاخطر ان إسرائيل تقوم بتدمير ما تبقى من احياء وعمران. ومحاصرة المواطنين الفلسطينيين في أحزمة ضيقة لا موارد فيها. إلا ما يأتيهم من إغاثة، وهذه الاخيرة ليست موجودة. ولا حتى بشكلها المذل والدامية من ما يسمى بمراكز هيئة غزة.

الحرب الإيرانية الإسرائيلية قد تستمر أسابيع، وخلال ذلك سيبقى قطاع غزة محجوبا عن الانظار، والأسابيع هي فترة طويلة لمن هم يتضورون جوعا، وبدون أي خدمات، يمكن تخيل كم من أطفال غزة سيموتون جوعا وعطشا. وهناك جانب آخر لا بد من التحذير منه، هي مخططات إسرائيل في خلق مجموعات مسلحة تابعة لها، مستغلة حالة البؤس التي يعيشها الغزيون، وحالة الإحباط واليأس، التي ستتفاقم في ظل غياب الاهتمام الاقليمي والدولي بالوضع في قطاع غزة. فإسرائيل تعتقد انها اليوم هي وحدها من يقرر مصير قطاع غزة.

هناك حاجة لإعادة حرب الابادة الإسرائيلية إلى الواجهة حتى في ظل الحرب. وهذا يتطلب جهودا مختلفة ومبتكرة، هناك حاجة إلى جهد فلسطيني شامل ومن كافة المستويات. ان يعود المتفاعلون على صفحات التواصل، على سبيل المثال إلى التركيز على حرب الإبادة، وعلى مخاطر ترك القطاع بدون اهتمام اعلامي. لنترك اخبار الحرب الإيرانية الإسرائيلية، فهذه الحرب باتت تسيطر على كافة وسائل الاعلام، نحن بحاحة ان نخترق احتكار هذه الحرب للاهتمام الدولي ونعيد قطاع غزة للأضواء من جديد، كل فرد يمكن أن يصنع فارقا من خلال نشر فيديوهات واخبار عن حرب الابادة، وأن يواصل المتضامنون تركيزهم على غزة، وهذا يقودنا إلى وسائل الاعلام العربية، عليها ان تحافظ على الخبر المتعلق بغزة كثابت إعلامي، كاستراتيجية ثابتة، ليس فقط من اجل الهدف الإعلامي، وإنما بهدف توجيه رسالة لإسرائيل بأنها تحت المراقبة، وانها لا يمكن ان تنفذ مخططاتها في غزة دون رقيب.

مسألة أخرى، أن نبقي أعين مجلس الأمن، والأمم المتحدة مفتوحة على حرب الابادة من خلال طلب متواصل لعقد جلسات لمجلس الامن والجمعية العامة. ومواصلة التحركات الدبلوماسية والسياسية، ومواصلة مسيرات ومظاهرات التضامن بلا انقطاع. باختصار ان نبقي الأعين مفتوحة على ما يجري في قطاع غزة، لان إسرائيل ماهرة في استغلال هكذا ظروف. بينما العالم مشغول بالحدث الكبير تقوم هي بتمرير مخططاتها الفرعية، ليبقى تركيزنا نحن الفلسطينيين الأساس على قطاع غزة، فهو الجزء الاهم من إقليم دولتنا الفلسطينية، التي نسعى للاعتراف الدولي بها، فهذه الدولة لن تقوم اذا نجحت إسرائيل في إخراج قطاع غزة من المعادلة.