غزة لا تُدار بالوصاية… ولا تُحكم بالانتداب من جديد

بقلم :م.محمد العايدي

في الوقت الذي يطلّ فيه طوني بلير من جديد على المشهد الفلسطيني تحت عناوين براقة عن “إعادة إعمار غزة” و”المرحلة الانتقالية”، يدرك كل من له بصر وبصيرة أن ما يُطرح ليس سوى عودة مقنّعة لفكرة الانتداب، ولكن بثوب “مجلس إدارة” دولي يشرف على القطاع ويقرر مصيره بعيدًا عن إرادة أهله.
إنّ من يعرف تاريخ هذه الأمة يعلم أن من يُسوّق لبلير هو ذاته من يفتح الباب لعودة الوصاية الأجنبية على القرار الوطني الفلسطيني، وأنّ هذه المشاريع التي تُطبخ في الغرف المغلقة لا تستهدف إعمار غزة بل إعماءها عن حقها في السيادة.

غزة ليست أرضًا بلا شعب، بل هي نبض فلسطين ومحراب المقاومة وصوت الملايين. حكم غزة لا يكون إلا للفلسطينيين، من أبنائها ولأجل أبنائها، لا لرجال العواصم ولا لأصحاب المكاتب المكيفة في الخارج. ومن يتحدث عن إدارة دولية أو “مجلس وصاية” إنما يريد أن يعيد عقارب التاريخ إلى زمن الانتداب البريطاني، حين كانت فلسطين تُدار بأوامر المندوب السامي لا بإرادة أهلها.

نحن لا نرفض الرقابة الدولية على أموال المانحين إن كانت رقابة شفافة موجهة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، لكننا نرفض أن تتحول هذه الرقابة إلى وصاية سياسية أو شرط ابتزاز. من حق العالم أن يطمئن على أمواله، ومن حقنا نحن أن نحكم أنفسنا بأنفسنا.

من سيدير غزة يجب أن يعيش فيها، أن يسمع أنين جرحاها، ويشم رائحة بيوتها المهدّمة، لا أن يديرها من فندق في الدوحة أو عاصمة غربية. القيادة الحقيقية تنبع من الأرض، لا من المنابر الإعلامية.

أما ما يجري اليوم داخل القطاع من تصفية حسابات داخلية، واعتقالات وقتل تحت ذرائع “الأمن” و”الانضباط”، فهو طعنة جديدة في خاصرة القضية. لم يعد خافيًا على أحد أن بعض القوى تسعى لتصفية خصومها السياسيين قبل أن يُفتح باب الإعمار، لتضمن أنها وحدها ستجلس على الطاولة مع الغرب والإقليم. إنها محاولة لإقصاء كل صوت وطني يخالفها الرأي، حتى لو كان من أبناء الخندق الواحد.

القطاع لا يحتاج إلى “مجلس بلير” ولا إلى “حاكم عسكري” جديد، بل إلى عقد وطني جامع، يُعيد القرار لأهله ويُنهي الانقسام بكرامة لا باستسلام. فغزة التي صمدت أمام آلة الحرب لا يمكن أن تُسلَّم لمكتب استشاري دولي أو لرجال مال أجانب يقررون مصيرها كما يشاؤون.

لقد آن الأوان أن يسمع الجميع هذه الحقيقة البسيطة:
غزة لا تحتاج إلى وصيّ، بل إلى شراكة وطنية صادقة.
غزة لا تحتاج إلى مجلس مدراء، بل إلى مجلس ضمير.
ومن يظن أن بإمكانه إعادة الانتداب تحت مسمى الإعمار، فهو لا يعرف روح هذا الشعب ولا دروس تاريخه
لذا اقول بلير لا اهلا ولا سهلا ولن يحكم شعبنا إلا قيادته