في ضوء الإعلان عن قرب الوصول إلى اتفاق في غزة بشأن الرهائن، نشاهد أن ما رفضته حماس طوال الأشهر الماضية، وافقت عليه مع فارق كبير بوجود عدد هائل من الضحايا، ودمار غير معهود كان يمكن تجنبه، قبل ذهاب غزة نحو مرحلة انتقالية مجهولة، هي مرحلة الهدنة التي توشك أن تتم هذه المرة، إذا كانت تحقق مصالح نتنياهو، ولكنها ليست بالضرورة ستحقق مصالح حماس، وهو المشترك القديم بين حماس ونتنياهو عندما كانت حماس تبحث عن عامل الوقت بالرهان على معادلة حزب الله-إيران، إضافة إلى العامل الدولي، الذي توهمت فيه أن تكون المجازر نقطة ضغط توقف الحرب وبالتالي تذهب نحو معادلة سياسية عنوانها (حماس باقية) وهذا لم يحدث، فيما كانت معادلة نتنياهو البقاء في ميدان المعركة أفضل لأن العودة إلى المنزل ستنهي حكومة الحرب، وبالتالي سيواجه نتنياهو المحكمة.
الفارق في هذه الهدنة المؤقتة، اختفاء قصة من سيحكم غزة في اليوم التالي من جلسات المفاوضات الأخيرة، واختفى معها إصرار حماس على الانسحاب من كامل غزة بما فيها المعابر وخط نيتساريم الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها، وهذا أهم مطالب اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو، وبما أن خط نيتساريم الذي يفصل نصف مليون فلسطيني في الشمال عن بقية القطاع، فالانسحاب الذي وافقت عليه حماس يصبح مجرد كلام نظري يخفي حقيقة أن المفاوضات كانت تتناول فقط وقف الحرب، وهدنة مؤقتة وعملية تبادل شاملة أو محدودة، ومتمماتها وإدخال المساعدات تماماً كما حدث في عملية التبادل السابقة، وفوق كل هذا فسوف تبقى حالة الحرب قائمة، وهذا هو جوهر المفاوضات الحالية، وهو ما سيعطي نتنياهو فرصة قادمة للمناورة العسكرية بمجرد انتهاء صفقة التبادل. لأن فكرة الانسحاب الإسرائيلي ذاتها غير واضحة ويمكن التراجع عنها من خلال “سياسة التوغلات”، وهي سياسة عسكرية إسرائيلية قديمة جديدة، كانت ولا تزال تستخدمها في الضفة، واستخدمتها كثيراً في غزة في كامل الحروب السابقة قبل الوصول لوقف شامل للحرب.
من نتائج هذه الهدنة بعد إتمام صفقة التبادل، ستكون حماس موجودة كقوة عسكرية تسيطر على مليون ونصف انسان في الخيام، لكنها ستكون معزولة عن مصادر التمويل وهو الجانب الجوهري الذي تسعى له حماس. فالحركة لديها قرابة 40 ألف موظف في حكومتها في غزة، يضاف إليهم عناصر القسام، وقد عملت حماس خلال الأشهر الماضية على دفع ما مقداره 800 شيكل لكل فرد من عناصرها وهو مبلغ يغطي 15 بالمئة فقط من المستحقات المالية التي كانت تدفعها لمعظم موظفيها، وكانت تقوم باستخلاص هذا المبلغ من خلال السيطرة على المساعدات الإنسانية والتي لا يزال يباع القسم الأكبر منها أمام نظر ورقابة حكومة حماس، في هذا الوقت فشلت فيه مفاوضات حماس مع السلطة الفلسطينية، والتي كان من المفروض أن تنتهي بتشكيل لجنة المساندة المجتمعية، فما طالبت به حماس هو أن تتولى السلطة الفلسطينية الإنفاق على 40 ألف من موظفيها في غزة، إضافة لإصرارها على احتفاظها بملفات الأمن وهو ما أفسد الخطة وهذا بحد ذاته لا يمكن حله ثنائياً، وخصوصاً في مسألة سلاح حماس، وهو ما سيخدم نتنياهو وما سيجعل مسألة الانسحاب من غزة مسألة معلقة فمسألة احتفاظ حماس بالسلاح، سوف يترك غزة دائماً تحت “حالة الحرب”.
فالسلاح غير الشرعي في الضفة الذي أدخلته حماس وشركاؤها هناك استغلته إسرائيل ولا تزال للتوغل فيها، ووجود سلاح حماس في غزة سيعيد ذات المسألة ولن ينهي (حالة الحرب) وهي البداية التي ستفرض معادلة اليوم التالي للحرب، فما يريده نتنياهو أن يستمر انسداد الأفق السياسي والإنساني في غزة حتى في ظل وجود الهدنة، بينما ما تراه حماس أن وجودها كحركة مرتبط بوجود السلاح معها، وبالتالي سنكون أمام أزمة المعابر وعقدة الإعمار وقبلها عقدة التخلص من مخلفات الرؤوس الحربية، يضاف إلى ذلك وجود 80 مليون طن من الأنقاض تحتاج إلى جهد دولي ومعدات خاصة قادرة على التعامل معها، ثم لدينا ذريعة نتنياهو التي قد تطيل أمد الاحتلال والمتمثلة في مسألة الجنود الإسرائيليين المفقودين، والذين كان يتباهى أبو عبيدة أنهم سيلقون مصير الطيار الإسرائيلي المفقود رون آراد.
غزة أمام مرحلة انتقالية مجهولة، فهل يدرك أنصار حماس أن حماس لم تنتصر ولكنها ذبحت غزة.