غزة والمستقبل؟

د. حسين المناصرة

أذكر أنني كتبت في غير مقالة بعد الحرب الإسرائيلية( الرصاص المصبوب) على غزة في نهاية عم 2008م (15/12 /2008م)،فذكرت أن هناك معارك إجرامية أخرى سيخوضها الاحتلال الصهيوني ضد غزة تحديدًا، لسببين : أولهما عسكرة المقاومة الفلسطينية في غزة المحاصرة، للإيحاء للعالم بأنَّ هذه المقاومة تتخذ أهل غزة دروعًا بشرية للاحتماء بهم، ومن ثمّ إعطاء رخصة أمريكية لإسرائيل كي تمارس إجرامها بحجة الدفاع عن نفسها بصفتها ضحية لا جلادًا !! وثانيهما دخول حركة حماس سياسيًا وعسكريًا في محور الشر بالنسبة إلى أمريكا وإسرائيل في المنطقة ( بعد انقلاب حماس أو الحسم العسكري في 14 حزيران 2007م) ، وهو محور التحالف مع إيران وسوريا وحزب الله في لبنان… !!
وفعلاً كان المستقبل بالنسبة إلى غزة مدمرًا ؛ فهي محاصرة برًا وجوًا وبحرًا ، وما كان بإمكانها أن تتصل بالعالم إلا من خلال الأنفاق تحت الأرض !! وفي كل وقت كان هناك دمار وقتل واجتياح… إلى أن كان اجتياح غزة في 14/11/ 2012 ، ثم بدت الدلائل كلها تشير إلى أنّ هذه الحرب مجرد هدنة مؤقتة ، وأن هناك دمارًا شاملاً ينتظر غزة في وقت معين ،وأن إسرائيل لا بدّ أن تختلق سببًا أو مئة سبب لتدمير غزة المحاصرة ؛ لذلك كانت هذه الحرب الأخيرة على غزة اسوأ بكثير من أي حرب سابقة ؛ فما نشر إلى الآن من خسائر مرعبة حصيلة أكثر من خمسين يومًا من الاجتياح الإجرامي المتواصل !!
طبعًا، شتت إسرائيل أنظار العالم كله عن غزة عند الاقتراب من الهدنة أو إيقاف إطلاق النار؛ لتبعد أنظار الناس في العالم عن غزة ، فركزت – على سبيل المثال- على مقتل الطفل الإسرائيلي بصواريخ المقاومة الفلسطينيية، ومقتل الصحفي الأمريكي في العراق ، وإطلاق ثلاثة صواريخ من جنوب لبنان على شمال فلسطين المحتلة ، وإرسال طائرة بدون طيار إلى المفاعل النووي الإيراني … إلخ. ثم أنهت ذلك وغيره بموجة الإعلام الصهيوني الذي يتحدث عن فشل الحرب الإسرائيلية على غزة ، وفي الوقت نفسه انطلقت الاحتفالات الفلسطينية بانتصار غزة في هذه الحرب!!
وماذا بعد بشأن مستقبل غزة ؟!
ستكون إسرائيل أكثر إجرامًا مستقبلًا، ولا بدّ أنها ستعود بعد سنة أو سنتين أو أكثر إلى ضرب غزة واجتياحها وتدميرها باختلاق الأسباب نفسها للاجتياح والإجرام… وسنقتنع لاحقًا أن بعض التسهيلات التي ستعطى لغزة الآن أو غدًا على أساس هدنة، لا بدّ أنها ستكون لاحقًا نقمة على شعبنًا في فلسطين كلها؛ إن بقيت غزة منفصلة عن الضفة الغربية، ومعراة من وحدتنا الوطنية، وخاضعة لإيديولوجيا شوفينية( التعصّب الفصائلي)، تمارس أساليب سياسية ديماغوجية (التلاعب بالشعارات للسيطرة على عواطف الناس )!!
والكارثة الحقيقية، أن يسمح الفلسطينيون بتمرير اللعبة الإسرائيلية – الإيرانية؛ لتسليح الضفة الغربية؛ كما أعلنت عن ذلك إيران مرارًا، التي دعت مؤخرًا إلى تسريع تسليح الضفة الغربية ، على طريقة غزة، ردًا على طائرة الاستطلاع الإسرائيلية في الأراضي الإيرانية…!!