من ميزات حركة فتح ومصادر قوتها، تعدد الأفكار والآراء وأسس بناء المواقف، مما يحفظ حيوية التنظيم، ويحول دون تحول كوادره إلى نسخة واحدة، ذات لسان واحد، وعقلية واحدة. لا أقول هذا لتجميل حالنا الفتحاوي، ولا لإنكار واقعنا السلبي، حيث يتعرض تنظيم الحركة العظيمة لخلل جسيم، أراه ممنهجا في كثير من الأحيان، يؤدي لإضعاف استقلاليته وحيويته، وبالتالي قدرته على حمل مسؤولياته وواجباته التاريخية نحو الشعب والوطن والقضية، لا سيما في ظروف كالتي نعيشها منذ أن شن الإحتلال مذبحة التقتيل والتطهير العرقي المتوحشة، بحجة عملية (السابع من أكتوبر) المشبوهة، والتي تتعارض مع كل ما هو عقلاني ووطني وفلسطيني. بل لمحاولة التذكير بعدك جواز استخدام الميزات والقواعد والمسلمات… في تبرير ما لا تحتمله ولا تقبل به، فلا داعي “لزيادة الطين بلة”.
وارتكازا على رفضنا للواقع الفتحاوي، الذي نعبر عنه منذ زمن وعبر كل ما يمكن، نحن مطالبون بإعلان رفض ما يقوم به إخوة وأخوات لنا قرروا العمل تحت عنوان فرعي آخر: “حملة تحرير مروان البرغوثي”. لا نرفض الحملة، بالطبع، بل من واجبنا دعمها وتوسيعها لتصبح “حملة تحرير أسرى شعبنا البواسل”. وهنا أيضا، لا مجال لإشاحة النظر عن التقصير الوطني عموما، والفتحاوي خصوصا، في هذا الميدان الحيوي والمهم للغاية. ومن واجبنا الاستمرار في رفض الواقع المُر، كلٌ منا بحسب موقعه وظروفه.
لقد فكرت في كتابة هذه الكلمات منذ أن وجهت الأخت فدوى البرغوثي رسالة (للرئيس ترامب) تقول فيها أن (الأخ مروان هو القادر على صناعة السلام)، وكأن المشكلة في الأخ الرئيس أبو مازن أو في الزعيم الرمز أبو عمار من قبله. ومنذ قرأت عن موقف أحد أبناء الأخ مروان، عرب -كما أخوه قسام مسبقا- وفهمت أنه يتحدث في نفس السياق. فقلت في نفسي، من حقهم أن يفعلوا ما يمكنهم وفاء لوالدهم ورب أسرتهم، على ألا يكون طرحهم كما يفعلون، خصوصا في ظل ضغوط كبيرة ومكشوفة على الرئيس أبو مازن وعلى السلطة الوطنية، في محاولة من الإحتلال لاستغلال الأمر الواقع لفكفكتها أو على الأقل إضعافها وإحراجها أمام أبناء شعبها بأقصى ما يمكنه. وبرأيي الشخصي، لقد جاء تصريح (ترامب) حول الأخ مروان البرغوثي في هذا السياق. فهناك محاولة لتنميط صورة خبيثة تقول أن الرئيس أبو مازن (يرفض تحرير الأخ مروان) ! وكأن الأمر يتوقف على طلب أو أوامر منه للإحتلال !
أما الذي استفزني، حقيقةً، ما قاله الأخ أحمد غنيم، أبو ضمير، في لقاء مع الأخ عصمت منصور، “بودكاست مزيج”. فلأول مرة تتهشم صورة الأخ غنيم في نظري، ويسقط إلى حيث لا أحب ولا أتمنى، فهو لم يقل شيئا واحدا منطقيا وصحيحا، ولم يتحدث سوى بإنشاء مبني على نفس الأساس الذي طرحته فدوى ومعها عرب وغيرهم. ولا أدري من هو “مايسترو” ذلك الطرح الإعلامي الممنهج، أقصد قصة أن الأخ مروان هو القادر على (توحيد شعبنا) و(صناعة السلام) … إلخ، وكأن ما نمر به كشعب فلسطيني في كل أماكن تواجدنا يحدث بسبب الرئيس أبو مازن، وأنها مسؤوليته وحده. وكأن (ترامب) وغيره يحبون شعبنا ويحترمونه ويريدون وحدته ومصلحته، أو أن الإخونج سيتنازلون عن انقلابهم ويخسرون وظيفتهم ومبررات دعمهم ضد المشروع الوطني لصالح الأخ مروان أو غيره !
آسف لأن أقول، أن (ترامب) نجح في تنشيط سكينا آخر في خاصرة الوطنية الفلسطينية، خاصرة م ت ف وحركة فتح. فما معنى التركيز على أن الأخ مروان هو القادر على كذا وكذا، وكأنه يمتلك عصاة سحرية لحل مختلف قضايا ومشاكل ساحتنا الوطنية ؟! وما معنى توقيت تكثيف هذه اللغة مجددا ؟! وما معنى التفاخر بالتواصل مع شخصيات رسمية أمريكية في هذا الخصوص، وربما في غيره ؟!
لم أتوقع يوما مشاهدة الأخ أبو ضمير في هكذا موقع سيء، فهو لم يترك فرصة للنيل من الرئيس أبو مازن إلا واستغلها بأبشع الصور، خصوصا عندما ذكر قصة (بساطير الإحتلال) وطرحها في ذات السياق الذي يستعمله الإخونج وبقية قطعان الدهماء والزومبي !
لم أتوقع أن يعبر عن ثقته في (قرار وإرادة ترامب) لإطلاق سراح الأخ مروان !
لم أتوقع أن يشارك كمثقف وطني في حفلات تطبيل وتسحيج للإخونج و(السابع من أكتوبر) المشؤوم والمشبوه، وإن كان هدفه اظهار الشكر – التملق – لهم لطرحهم اسم الأخ مروان في مفاوضات غير جديدة، ولا يملكون فيها من أمرهم شيئا كما هو واضح لكل صاحب عين ترى وعقل يعمل، فيردد معهم مغالطات (فرض القضية على طاولة العالم) و(الرأي العام العالمي) وغيرها من العناوين والشعارات المُساء استخدامها على طريقة كلمات حق لتغليف الباطل !
لم أتوقع أن يمدح شخص مثله أي (منظومة عربية)، في أي مرحلة كانت، لكنه فعل، ليؤسس للتطاول على قيادة م ت ف (يقصد الأخ الرئيس أبو مازن طبعا) ولاتهامه زورا وبهتانا بأنه يعمل على (الشرط الاسرائيلي) !
لا أريد الإطالة أكثر، فالحديث في هذا السقوط المدوي طويل ومتشعب للأسف، إلا أن شيئا قد أثار شعورا بالراحة لدي في نهاية الحلقة: عصبيته الواضحة وارتفاع صوته الملحوظ حين سأله الأخ عصمت عن هدف مشاركته فيما قالوا عنه (مؤتمرا وطنيا) في الدوحة، عاصمة قطر، فبدى وكأن الأخ أحمد غنيم يكاد ينفجر غيظا من السؤال المهم والمحق، ليبدأ بالدفاع عن موقفه ونفسه كأي شخص يعرف أن موقفه على الأقل في محل شبهة وطنية !. وكلنا نفهم الفرق بين عصبية المدافع عن الحق في وجه موجة للباطل وعصبية الذي يدافع عن خطأ يرتكبه، بينما يستوعب أنه على خطأ، لكنه لا يملك إلا الاستمرار فيه. وإلا أين سيكون أحمد غنيم وبقيتهم، ومن سيسمع بهم، دون تواجد في الميدان الحقيقي، ودون “حملة تحرير مروان البرغوثي” ؟!
لم أكن أعلم بمشاركته في مؤتمر في الدوحة بحجة إصلاح م ت ف والحالة الفلسطينية، نعم في الدوحة !، فسألت نفسي، ماذا تتوقع ممن يشارك في (مؤتمرات الدوحة) تحت شعارات القضية الفلسطينية، ويتواجد في (اسطمبول)، كما قال في جوابه على سؤال حول كواليس التفاوض بالقاهرة بخصوص آليات تنفيذ خطة (ترامب) وتبادل الأسرى؟! نعم يا أبناء الفتح: (الدوحة واسطمبول) !!
ولا بد من التنويه لأن غالبيتنا لا تعلم طبيعة موقف الأخ مروان البرغوثي مما يفعله هؤلاء تحت عنوان (حملة تحريره)، وهنا أتحدث عنهم لا عنه، وأدعو الله تعالى، لأن يفك أسره ومعه كل أسرى شعبنا الأبطال. كما أتمنى أن يفهم هؤلاء أن سلوكهم غير المبرر يؤدي لرد فعل عكسي يطال الأخ مروان نفسه، على الأقل عند غالبية أبناء حركة فتح.
فيا أبناء الفتح، من مسلماتنا الفتحاوية، كما تعلمون، رفض العمل مع أو لدى أي جهة خارجية، والحفاظ على استقلالية قراراتنا وسيادتنا على أنفسنا.
ويا أبناء الفتح العظيمة، لا يمكننا القبول نهائيا بالسماح لسخطنا على واقع التنظيم المُر، بدفعنا للقبول بمثل تلك الترهات، ولا بالإستزلام والعمل مع قوى لا يخفى على أحد معاداتها لوطنيتنا وهويتنا وقضيتنا، وإن كان شعارهم المرفوع: (قميص مروان) أو غيره أيا كان. فلا يمكن استنهاض فتح إلا بفتح كما أن الحق لا ينتصر إلا بالحق.
17 \ جمادى الأولى (5) \ 1447 للهجرة






