فتح… حين يصبح التاريخ عهداً متجدداً

بقلم: د. منى أبو حمدية

⸻⸻
اكاديمية و باحثة
———⸻

في الذكرى الحادية والستين لانطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، لا نقف عند أرشيف الذاكرة ولا نكتفي باستدعاء الصور الأولى، بل نقف عند جوهر المعنى: العهد.

ففتح لم تكن يوماً حدثاً عابراً في تقويم النضال، بل كانت فعل وعي، وقرار إرادة، وبوصلة وطنية حافظت على اتجاهها رغم العواصف.
في هذه الذكرى، لا نحيي تاريخاً فحسب، بل نجدد العهد مع فلسطين كما أرادتها فتح: حرّة، موحّدة، مستقلة القرار.

“من الرصاصة الأولى وُلد القرار”

لم تكن عملية عيلبون مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت الإعلان الرسمي عن ميلاد مرحلة جديدة في التاريخ الفلسطيني؛ مرحلة اسمها الكفاح المسلح، ورايتها قوات العاصفة، ووجدانها فتح.
من هناك، خرج القرار الفلسطيني من حالة الانتظار إلى ساحة الفعل، ومن التبعية إلى الاستقلال. أثبتت فتح منذ لحظتها الأولى أن القرار الوطني المستقل ليس شعاراً يُرفع، بل ممارسة تُحمى بالدم، وتُصان بالثبات، وتُورَّث للأجيال كأمانة لا تقبل التفريط.

“فتح… هوية وطن لا تُساوَم”

على مدار عقود، كانت فتح أكثر من تنظيم سياسي؛ كانت صانعة الهوية الوطنية الفلسطينية، والحاضنة الأولى لمشروع التحرر.
في زمن التشظي، حملت فتح اسم فلسطين واحداً غير مجزّأ، وحقاً غير قابل للمقايضة، وروايةً لم تسمح بتزييفها. لم تفرّط بحق، ولم تختصر القضية، وظل مشروعها الوطني شاملاً، جامعاً، يؤمن أن فلسطين أكبر من أي فصيل، وأبقى من أي مرحلة.

“أبو عمار… حين صار الحلم عنواناً للعالم”

كان الشهيد القائد ياسر عرفات (أبو عمار) المهندس الأول لتوحيد الصف الفلسطيني، لا بوصفه زعيماً فقط، بل بوصفه حاملاً لروح فتح.
وضع فلسطين على خارطة العالم، لا كقضية إنسانية فحسب، بل كقضية شعب صاحب حق، وصاحب قرار، وصاحب تمثيل. جمع البندقية وغصن الزيتون، وأثبت أن الوحدة الوطنية ليست خياراً سياسياً، بل شرط بقاء.

“رسالة إلى أبناء حركة فتح”

يا أبناء الغلابة “فتح”
أنتم ورثة الفكرة لا مجرد حراس للذكرى. أنتم أبناء الحركة التي علّمت العالم أن الفلسطيني قادر على صنع قراره، وحماية هويته، والدفاع عن حقه مهما طال الطريق.

جدّدوا العهد كما جدّدته فتح في كل محطة، واحملوا الاسم بوعيه لا بشكله، وبجوهره لا بشعاره، ففتح كانت وستبقى ضمير المشروع الوطني، وعمود خيمته، وذاكرته الحيّة.

في الذكرى الواحدة والستين لانطلاقة فتح، نؤكد أن الحركة لم تعش على أمجاد الماضي، بل صنعت حاضراً مقاوماً، ومستقبلاً مفتوحاً على الحرية.
فتح ليست ذكرى تُحتفى بها مرة في العام، بل عهدٌ يُجدَّد كل يوم، ما دامت فلسطين تنبض في القلوب، وما دام القرار الوطني المستقل خطاً أحمر لا يُمس.

المجد لفتح… والوفاء لفلسطين.