السياسي –
تطورت شخصية “الخاطبة” على مرّ السنوات، فبينما ظهرت في عدد كبير من الأفلام الكلاسيكية المصرية كعنصر بارز تمثله امرأة ذات مظهر تقليدي، تحمل صور العريس أو العروس وتتوسط بين العائلتين، ارتبطت صورتها آنذاك بالرومانسية والاطمئنان، وبقيت راسخة في ذاكرة الجمهور ضمن الأعمال التي جسدت ملامح الحياة الاجتماعية التقليدية.
لكن مع تقدم الزمن، تبدّل المشهد تماماً، فقد تحوّل حلم الزواج لدى كثيرين إلى فخ نصب معاصر عبر صفحات الخاطبة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه الحسابات التي تقدم نفسها كوسيط للزواج، سرعان ما تكشف عن كونها وسيلة احتيال منظمة تستغل العزلة الاجتماعية وضغوط المجتمع ورغبة البعض في الارتباط السريع، لتقودهم في النهاية إلى خسائر مالية وخيبة أمل.
شهادات ضحايا عبر فيسبوك
كشفت منشورات على السوشيال ميديا عن أساليب خداع متعددة، حيث أكد أحد المستخدمين المقيمين في السعودية أنه دفع عربوناً لرؤية “العروس” عبر تطبيقات التواصل، ثم طُلبت منه مبالغ إضافية لإتمام عقد إلكتروني مزعوم، قبل أن يكتشف أنه وقع ضحية نصب علني.
وفي مصر، روى آخرون أنهم حوّلوا مبالغ إلى خاطبات مجهولات على أمل العثور على شريك مناسب، لكن التواصل انقطع فور تحويل الأموال.
دوافع نفسية واجتماعية
من جانبه، أوضح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي في تصريحات لـ”24″، أن بعض الأشخاص يلجأون إلى الخاطبة بسبب الانطوائية وضعف العلاقات الاجتماعية، معتبرين أنها مخرج سهل وسريع لتجنب الوحدة.
وأكد أن النصابين يستغلون هذه الفئة تحديداً لإغرائهم بوعود زائفة وحيل متنوعة، على غرار ما يُسوّق في إعلانات جلب الحبيب أو العلاجات السحرية المزعومة.
وأشار فرويز إلى أن ضغوط المجتمع، خاصةً على الفتيات، يدفع الكثيرات للبحث عن زيجات سريعة، بينما يقع بعض الرجال المغتربين في الفخ نفسه بسبب انقطاعهم عن محيطهم الاجتماعي.
ولفت إلى أن “الخاطبة التقليدية” في الماضي اعتمدت على معرفة العائلات ببعضها، ما وفر قدراً من الأمان والشفافية، بينما الشكل العصري على الإنترنت تحوّل إلى باب للنصب والابتزاز في ظل غياب أي رقابة.
وأكد أن الحل لا يكمن في منع التعارف، بل في رفع الوعي وتجنب التعامل مع صفحات مجهولة، والاعتماد على الطرق القانونية والآمنة لتوثيق الزواج.
تحذيرات قانونية واجتماعية
من جانبها، قالت المحامية نهى الجندي لـ”24″، إن الزواج عبر الخاطبة الرقمية يهدد الاستقرار الأسري، إذا يتم في أغلب الأحيان إن لم يكن جميعها على أساس بيانات مضللة وبدون توافق حقيقي.
وأشارت إلى أن بعض الصفحات تروج لأنماط غير قانونية من الزواج مثل المسيار والعرفي، وهو ما يدخل ضمن الغش والتدليس ويجعلها وسيلة غير آمنة.
وأضافت أنها تلقت شكاوى من سيدات دفعن أموالاً وشاركن بياناتهن الخاصة مع هذه الجهات، ليتضح لاحقاً أن الأمر مجرد خداع، إما عبر اختفاء الصفحات أو تقديم معلومات غير حقيقية عن الأزواج المحتملين.
واختتمت الجندي تصريحاتها مشددة على أن الحماية تكمن في الوعي المجتمعي، وعدم الوثوق بوساطات مجهولة، والتمسك فقط بالطرق القانونية لتوثيق أي علاقة زواج، إذ إن هؤلاء “العرسان” المجهولين قد يفاجئون الفتيات بسجل إجرامي أو نشاط مشبوه يهدم الحياة قبل أن تبدأ.