فرانشيسكا ألبانيزي… عندما يصبح الضمير صوتًا عالميًا

بقلم فراس الطيراوي*

في عالمٍ تتعالى فيه أصوات المصالح، وتغيب فيه القيم، يندر أن نجد مسؤولًا دوليًا يعبّر عن الحقيقة دون تردّد، ويقف في وجه التيار مدفوعًا بالقانون والمبدأ. فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، تمثل حالة استثنائية في هذا المشهد الدولي الرمادي.

منذ توليها مهامها، اختارت ألبانيزي أن تكون أكثر من مجرد مراقِبة. تحدثت بوضوح، ووصفت الأمور بمسمياتها الحقيقية، وأشارت إلى الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون، في وقتٍ فضّل فيه كثير من السياسيين والدبلوماسيين الصمت أو المواربة. لم تكتفِ ببيانات شكلية، بل قدّمت تقارير جريئة، وشهادات مؤثرة أمام العالم، دفعت ثمنها من سمعتها، وتعرّضت لحملات تشويه مكثفة من جهات رسمية وإعلامية.

ورغم ذلك، لم تتراجع. بقي صوتها ثابتًا، ومواقفها مبنية على القانون الدولي، والحق الإنساني، والوضوح الأخلاقي. وهذا ما جعل منها، في نظر كثير من المراقبين، أكثر من مجرد موظفة أممية؛ بل رمزًا نادرًا في زمن التشويش الأخلاقي والانحياز الأعمى.

قد يختلف البعض مع أسلوبها أو مع قراءتها السياسية، لكن لا يمكن تجاهل تأثيرها العميق، ولا إخلاصها الملموس في أداء مهمتها. إنها من القلائل الذين اختاروا أن يكونوا شهودًا للحق، لا شركاء في الصمت.

من هنا، يبرز اسم فرانشيسكا ألبانيزي كمرشحة تستحق أن يُنظر إليها بجدية ضمن جائزة نوبل للسلام. ليس لأنها وحدها تُدافع، بل لأنها عبّرت عن قيمٍ غابت، ووقفت في موقعٍ تراجع فيه كثيرون. لقد قدّمت نموذجًا نادرًا لما يجب أن يكون عليه المسؤول الأممي، حين يتقدّم الواجب على الحسابات، وتعلو العدالة على السياسة.

*ناشط سياسي وكاتب عربي فلسطيني عضو الامانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام / شيكاغو