يواصل دونالد ترامب الإعلان عن أسماء الأشخاص الذين اختارهم للخدمة في إدارته الجديدة. وأحد أبرز هذه الأسماء السيناتور ماركو روبيو (من ولاية فلوريدا) المرشح لتولي منصب وزير الخارجية. ومن المرجح أن يحظى ترشيحه بتأكيد سريع من زملائه في مجلس الشيوخ، لا سيما أن اختياره أثار منذ الآن تعليقات إيجابية من بعض «الديمقراطيين» البارزين. ويعارض روبيو، الذي يُعد من الصقور في ما يتعلق بالأمن القومي، فكرةَ الانعزالية الأميركية، ولديه آراء متشددة بشأن الصين. وبحكم خلفيته الكوبية، من المتوقع أن يولي اهتماماً أكبر بأميركا اللاتينية التي أصبحت مصدر قلق بسبب الهجرة غير الشرعية، والاتجار بالبشر، وتهريب المخدرات، والاستثمار المالي الصيني المتزايد في المنطقة.
بيد أن التحديين الأكثر إلحاحاً اللذين ستواجههما الإدارة الجديدة في مجال السياسة الخارجية تحديداً، هما الحربان المستمرتان في أوكرانيا والشرق الأوسط. وفي هذا السياق، تفيد التكهنات بأن ترامب سيرغب في عقد صفقة مع الرئيس الروسي بوتين بشأن إنهاء الصراع في أوكرانيا، غير أنه للقيام بذلك سيتعين عليه أن يبعث برسائل صارمة إلى موسكو مفادها أنه بغض النظر عن التعديلات الإقليمية التي قد يتم النظر فيها، فإن الغرب مصر على أن يكون أمن أوكرانيا على المدى الطويل جزءاً من الاتفاق.
وترامب لا يستطيع أن يظهر بمظهر الضعيف بشأن أوكرانيا، وأي إيحاء أو تلميح إلى تخليه عنها لصالح روسيا سيوصف بأنه «استرضاء»، وسيجلب تشبيهات ومقارنات كثيرة برئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلن الذي تخلى عن تشيكوسلوفاكيا في عام 1938، في اتفاقية ميونيخ. كما أن من شأن مثل هذا السلوك أن يبعث برسالة خاطئة إلى الصين.
إحدى أولى زيارات روبيو الخارجية ينبغي أن تكون إلى أوروبا، من أجل إقناع الحلفاء، بمن فيهم أوكرانيا، بأن أميركا لن تتخلى عنهم وإن تبنّت الانعزالية. كما سيتعين عليه أن يذهب إلى الشرق الأوسط من أجل تقديم الدعم لإسرائيل ولمن يرغبون في وقف إطلاق نار دائم في لبنان وغزة. وسيتعين عليه أن يوازن في رسالته إلى الدول العربية المعتدلة بين مخاوفها بشأن عدم إحراز تقدم مع الفلسطينيين، وحاجتها إلى الاقتناع بأن الولايات المتحدة ستظل معارضة بشدة لبرامج إيران وأيديولوجيتها السياسية. بعبارة أخرى، لا روبيو ولا ترامب يستطيعان ولو بالتلميح إلى أن الولايات المتحدة ستقلّص من وجودها في المنطقة طالما يُنظر إلى إيران باعتبارها قوة ذات تطلعات للهيمنة.
مرشحو ترامب الآخرون للمناصب الأمنية العليا سيواجهون صعوبة أكبر في الحصول على تأكيد سهل من مجلس الشيوخ، وخاصة بيت هيغسيث المرشح لمنصب وزير الدفاع، وتولسي غابارد المرشحة لمنصب مديرة الاستخبارات الوطنية. فكلاهما يثور حولهما جدل داخلي، ومتى حدث ذلك، ستتسرب إلى الصحافة العديدُ من القصص والأخبار حول مدى أهليتهما لتولي لمثل هذه المناصب العليا، مما قد يكلِّف الرئيسَ وقتاً ورصيداً سياسياً من أجل المصادقة على ترشيحهما.
الأخبار المتداولة في واشنطن تفيد بأن ترامب يريد قيادة «سفينة متماسكة» ويرغب في تجنب المشاحنات الطويلة التي ميّزت ولايتَه الأولى. غير أنه، وحسبما ما يروج، مستمر في السماح لدائرته المباشرة، من كبار المستشارين، بالتباين فيما بينهم.. وأنه اختار بعض الأسماء لتقلد مناصب وزارية في ظرف دقائق معدودة وهو على متن طائرته، دون عملية تدقيق رسمية للمرشحين من قبل أجهزة الاستخبارات. والحال أن أسلوب الحكامة قد لا يخلق انسجاماً وتماسكاً داخل الإدارة الجديد. والنتيجة ستكون المزيد من القصص غير المصرح بها والتسريبات في وسائل الإعلام، والمزيد من الصعوبات في تنفيذ بعض المقترحات الأكثر راديكالية، مثل عمليات الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، وفرض رسوم جمركية عالية على كل من كندا والمكسيك والصين وأوروبا.
وكل هذا قد يؤدي إلى إرسال إشارات خاطئة إلى الأسواق المالية التي تزدهر فقط في ظل الاستقرار واليقين النسبي.
* نقلا عن ” الاتحاد”