السياسي -متابعات
قالت صحيفة “غارديان” البريطانية إن آلاف العائلات الفلسطينية عادت خلال الأسبوع الأول بعد وقف إطلاق النار إلى مدينة غزة والمناطق المحيطة بها، لتكتشف أن بيوتها تحوّلت إلى أكوام من الركام، وأحياؤها اختفت تماماً من الوجود، حتى بدا المشهد، كما وصفه كثيرون، كأنه نتيجة انفجار قنبلة نووية.
وأوضح التقرير، الذي أعدته سهام تنتيش من غزة، وجوليان بورغر من لندن، أن عودة الأهالي إلى الشمال بعد شهر من تهجيرهم القسري تحوّلت إلى رحلة عذاب جديدة، إذ لم يجدوا سوى الخراب الكامل ومياهاً ملوثة وملاجئ مهدمة، ما اضطرهم إلى نصب خيام مؤقتة فوق أنقاض منازلهم، وسط غياب أي أفق واضح لإعادة الإعمار أو لضمان استمرار الهدنة.
مشهد العودة: طريق مليء بالأنقاض والدموع
وقال التقرير إن عشرات الآلاف من الفلسطينيين تدفقوا عبر الطريق الساحلي شمالاً سيراً على الأقدام، حاملين ما تبقّى من متاعهم بعد جولات متكررة من النزوح. وما إن وصلوا إلى أحيائهم حتى فوجئوا بأن “كل شيء قد اختفى”.
ونقل التقرير عن سهير العبسي، وهي أم لسبعة أطفال من حي الشيخ رضوان، قولها: “كنت أتمنى أن أجد بيتي واقفاً، لكني لم أتعرف حتى على الشارع. كل شيء مُسوّى بالأرض. اختلطت أنقاض المنازل ببعضها إلى درجة لا يمكن التمييز بينها. الدمار لا يُصدّق، كأن قنبلة نووية ضربت هذا المكان”.
وأضافت العبسي أن عائلتها بقيت في منزلها حتى اللحظة الأخيرة بينما كانت الدبابات الإسرائيلية تتقدم في سبتمبر (أيلول). “غادرنا عندما وصلت الدبابات إلى مدخل الحي، وكنا نراها من النافذة”، وقالت إنهم شاهدوا منازل تُفجّر بـ”روبوتات” مفخخة تُوجَّه عن بُعد، وهو أسلوب استخدمته القوات الإسرائيلية لتقليل خسائرها في القتال داخل المدن.
حياة مؤقتة على ركام الذاكرة
وتابع التقرير أن كثيراً من العائلات نصبت خيامها بين الأعمدة المتبقية أو تحت بقايا الجدران، تحتمي من الشمس بأغطية بالية. وقالت العبسي: “نعيش هنا فوق الركام، فليس لدينا مكان آخر. لا أقارب لنا في الجنوب، وكل البيوت مدمرة. إعادة بناء البيت تحتاج إلى عمرٍ كامل، وربما أموت قبل أن أراه من جديد”.
وأوضحت أن ما يشغلها الآن هو مستقبل أولادها في مدينةٍ تحوّلت إلى “كومة من الرماد”، قائلة: “كل ذكرياتنا ضاعت… أحلامنا وأعيادنا وصور أطفالنا، كل شيء تحت الحجارة”.
بيوت مفقودة وذاكرة دفنت تحت الركام
وأشار التقرير إلى أن سوزان الشياح من حي الشجاعية عاشت الصدمة ذاتها، إذ قالت: “لم أستطع في البداية تحديد موقع بيتنا من شدة الدمار، الشوارع تغيّرت، والأنقاض تملأ المكان. لم أجد القوة لأبحث عن أي تذكار من المنزل، فكل شيء ضاع”.
وأضافت أن أسرتها قضت أياماً تبحث عن مكانٍ لإقامة خيمة في مبنى مدرسة مهدمة تتوفر فيها كمية محدودة من المياه. وأوضحت أن انعدام المياه في الشمال دفع كثيرين للبحث عن مصادر بديلة، في وقت تؤكد فيه الأمم المتحدة أن محطة التحلية الرئيسة دُمّرت بالكامل، وأن إصلاحها قد يستغرق شهوراً.
أزمة المياه والمساعدات
وأفاد التقرير بأن خزان مياه الشيخ رضوان تعرّض للتلوث بسبب انفجار أنابيب الصرف الصحي، وأن محطة الضخ الرئيسية تضررت بشدة. وأضاف أن عمليات إدخال المعدات اللازمة للصيانة عبر المعابر ما تزال متقطعة، ما يجعل الوضع الصحي في الشمال “كارثياً”.
وأشار التقرير إلى أن نصف شحنات الخيام والمساعدات الإنسانية تعرضت للنهب أثناء نقلها إلى غزة، ما زاد من معاناة النازحين الذين يحاولون بناء مأوى فوق أنقاض منازلهم.
فاجعة عائلة عبد ربه
وتناول التقرير شهادة هاني عبد ربه، وهو مقاول في الستين من عمره من جباليا، قال إنه عاد ليتفقد أربعة منازل تملكها عائلته، لكنه لم يجد منها شيئاً: “أُصبت بجلطة من الصدمة. لا يمكن احتمال رؤية بيوت عشت فيها عمراً وقد تحولت إلى غبار”.
وأوضح أنه فقد حفيده داخل أحد الملاجئ وابنه الذي خرج بحثاً عن الطعام ولم يعد، رغم بحثه في المستشفيات والمشارح دون جدوى. وأضاف قائلاً: “سأنصب خيمة فوق أنقاض بيتي، ولدت هنا وسأموت هنا في جباليا”.
غزة بين الرماد والانتظار
وختم التقرير بالقول إن مشاهد العودة إلى غزة لم تكن عودة إلى الوطن بل إلى الفقد، فالعائلات التي نجت من القصف تواجه الآن معركة أخرى، من أجل البقاء وسط أنقاض المدن المدمرة.
وأضاف التقرير أن الهدنة الحالية ما تزال “هشة للغاية”، وأن الخوف من تجدد الحرب يخيّم على حياة الجميع. وفي كلمات سهير العبسي: “نحن لا نعرف إن كنا سنبقى أحياء لنشهد السلام، أم سنموت قبل أن يُعاد بناء بيتٍ واحد.”