فلسطينيو أميركا.. سرد معاناة غزة بالكونجرس

جيمس زغبي

في الأسبوع الماضي، نظم «المعهد العربي الأميركي»، بالتعاون مع «كنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط» و«لجنة الأصدقاء الأميركيين للخدمة»، لقاءً جمع مع أعضاء الكونجرس مجموعة من الفلسطينيين الأميركيين الذين لديهم عائلات في غزة، بحضور وسائل الإعلام. وكان وجودهم في واشنطن، الذي استمر يومين، يهدف إلى منح صوت لضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة، وإضفاء الطابع الإنساني على من عانوا ويلات الحرب.

فقد اعتاد المسؤولون في حكومتنا على لقاء عائلات إسرائيلية وسماع قصصهم، بينما لم تُتح للفلسطينيين الفرصة نفسها. (تذكّروا الجدل الذي اندلع في المؤتمر الديمقراطي لعام 2024 عندما رفض الحزب دعوة أميركي من أصل فلسطيني فقدَ أفراداً من عائلته في غزة ليتحدث إلى جانب عائلة إسرائيلية كان ابنها محتجزاً لدى حماس كرهينة).
بدأ التخطيط لهذه الزيارة إلى واشنطن منذ الصيف، لكنها تأجلت لأسباب متعددة تراوحت بين العطلة البرلمانية وإغلاق الحكومة الحالي. وعندما تم تحديد الموعد أخيراً، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن «خطة السلام» الخاصة به، فعبّر بعض المشككين عن قلقهم من أن البهرجة الإعلامية المصاحبة لتوقيع الخطة قد تُضعف الاهتمام بالاستماع إلى الفلسطينيين.
حظي ترامب بجولة انتصار وتقاطرت عليه الصور التذكارية في إسرائيل ومصر، حيث انهالت عليه عبارات المديح من القادة هناك. ووصفت وسائل الإعلام الحدث بأنه «تاريخي» و«تحوّلي»، فيما بثّت القنوات التلفزيونية مشاهد الفرح في القدس ولحظات اللقاء المؤثرة بين العائلات الإسرائيلية التي أُفرج عن أحبّتها بعد احتجاز دام عامين. ولم تقتصر التغطية على عودة الإسرائيليين إلى بيوتهم، بل نشرت بعض الصحف صوراً وسيراً ذاتية مختصرة للإسرائيليين الذين لقوا حتفهم أثناء احتجازهم لدى «حماس». وعلى مدى أيام، تصدرت الصفحات الأولى للصحف قصص وصور لإسرائيليين يدفنون ذويهم الذين أعيدت جثثهم.
لكن خلال كل تلك التغطية الإعلامية، ظلّ الفلسطينيون إمّا غائبين أو مجرّد أرقام، كما كانوا قبل عامين عند اندلاع الحرب. فعلى الرغم من تغيّر الرأي العام لصالح الفلسطينيين، ما زال السياسيون ووسائل الإعلام الرئيسية يتجنبون إضفاء الطابع الإنساني على ضحايا الشعب الفلسطيني أو التعامل معهم كأفراد لهم قصصهم.
لا شك أن أنقاض غزة حظيت بتغطية إعلامية، كما عُرضت صورٌ لحشود من الفلسطينيين يستقبلون الحافلات التي تُعيد بعضاً من 1700 شاب فلسطيني احتجزتهم إسرائيل رهائن منذ بداية الحرب. لكن لم تكن هناك أسماء، ولا صور لأمهات يحملن أبناءهن أو أطفالهن مع آبائهم. هذا هو معنى التشييء (التجريد من الإنسانية). عندما يُختزل شعبٌ إلى كتلةٍ بلا هوية أو جثثٍ بلا شخصية، يُمكن تجاهله. لا يُشعر بمعاناتهم، ولا تُعرف قصصهم، ولا يُمكن تأكيد إنسانيتهم. هذا التشييء ونزع الشخصية – وهما سمتان مُميزتان للتعصب الأعمى المتأصل واللاواعي – هو ما شكّل تحدياً لزيارة الفلسطينيين الأميركيين.
ضم الوفد رجالاً ونساء، مسلمين ومسيحيين، جاءوا من ست ولايات أميركية، ولكلٍّ منهم تجربة مؤثرة ومؤلمة تستحق أن تُروى. فعلى سبيل المثال، أحدهم سافر إلى غزة في سبتمبر 2023 في زيارته السنوية لعائلته، وحين اندلعت الحرب قرر البقاء معهم لمساندة أحبائه في ظلّ كل ما قد يواجهونه من مصاعب. لقد عاش معهم فترات النزوح والجوع، ونجا من القصف، وانتشل بيديه جثة ابنة شقيقه الصغيرة من تحت أنقاض منزلها المدمر. وعاد أخيراً إلى الولايات المتحدة قبل بضعة أشهر فقط.
آخرون قدموا إلى الولايات المتحدة كطلاب وبقوا فيها، وكانوا هم أيضاً يزورون غزة باستمرار، ويحافظون على روابط وثيقة مع عائلاتهم. وقد أحضروا معهم صور أحبّتهم، الأحياء منهم والذين قضوا في القصف أو ماتوا بسبب انعدام الخدمات الطبية. عرضوا صور لمنازلهم المدمّرة، ومن بينها صورة مؤثرة لطفلين – ابن أخ وابنة أخت – يلعبان فوق ركام منزلهما. ومن المهم الإشارة إلى أن جميع أعضاء الوفد كانت لديهم تجارب سابقة مع القصف الإسرائيلي وإطلاق النار وموت أحبّاء لهم قبل السابع من أكتوبر 2023.
كانت قصصهم وصورهم بمثابة لوحة مؤلمة ومعبّرة في الوقت نفسه، إذ رسمت واقعاً كان أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بحاجة إلى سماعه ورؤيته. ذكّروهم بالحقيقة المرة المتمثلة في أن أطفال فلسطين لهم أسماء، وأن الفلسطينيين ليسوا مجرد جثثٍ مجهولة الهوية من بين الضحايا، وأن من لقوا حتفهم قُتلوا على يد إسرائيل بقنابل زوّدهم بها الكونجرس الأميركي.
وفي ختام الزيارة، دعا الوفد مجلسي النواب والشيوخ إلى إرسال بعثة رسمية إلى غزة، ليروا بأعينهم حجم الدمار الذي ألحقته إسرائيل، وليلتقوا مباشرة بالفلسطينيين وليتمكنوا من تقييم احتياجاتهم على أرض الواقع. وقد أبدى عدد من النواب تجاوباً إيجابياً مع هذا الطلب.
لقد كانت الزيارة ناجحة. فقد استطاعت شهادات هؤلاء الفلسطينيين الأميركيين الشجعان أن تُحفز المشرعين ووسائل الإعلام على إدراك أن الاحتفالات الحالية، في أحسن الأحوال، سابقة لأوانها، وأن «خطة السلام» يجب أن تتجاوز مجرد مشروع عقاري واستثماري، وأن تُركز على ما هو أكثر بكثير من مجرد جعل الإسرائيليين يشعرون بالأمن. لا يمكن للسلام أن يتحقق إلا بالاعتراف بإنسانية الفلسطينيين، وصدمتهم الفردية والجماعية، وحاجتهم إلى الأمن والعدالة والشفاء في أعقاب هذا الهجوم المدمر الأخير. وستتبع ذلك المزيد من الوفود المماثلة.

*رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن

عن الاتحاد الظبيانية