فلسطين دولة تحت الاحتلال: أهمية الاعتراف الدولي والآثار القانونية والسياسية

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

مقدمة
إن اعتبار دولة فلسطين دولة تحت الاحتلال الإسرائيلي في القانون الدولي، يحمل أبعاداً قانونية وسياسية جوهرية، تعزز من شرعية فلسطين، وتضع الاحتلال الإسرائيلي في موقف قانوني صعب، وتُلزم المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه حماية حقوق الشعب الفلسطيني، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
لقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن خلال قراراتها المتكررة على شرعية دولة فلسطين على حدود 4 حزيران 1967، وعلى ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مما يفتح آفاقاً قانونية وسياسية لتفعيل تلك القرارات واتخاذ إجراءات عملية على الأرض.

1. التعريف القانوني لحالة الاحتلال وأسسها في القانون الدولي
تعتبر حالة الاحتلال إحدى الحالات الخاصة في القانون الدولي الإنساني، وتُعرف وفق المادة (42) من لائحة لاهاي لعام 1907 (المرفقة كملحق لاتفاقية لاهاي الرابعة) بأنها:
“يُعتبر الإقليم محتلاً عندما يصبح فعلاًً خاضعاً لسلطة الجيش المعادي، ولا يمتد الاحتلال إلا إلى الأقاليم التي تقوم فيها هذه السلطة وتكون قادرة على تدعيم نفوذها” [1].
وأما المادة الثانية المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 فتُضيف:
“تطبق الاتفاقيات على جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لأراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه الاحتلال مقاومة مسلحة” [2].
ويرى فقهاء القانون الدولي أن الاحتلال الحربي هو مرحلة من مراحل الحرب، تلي الغزو مباشرة، حيث تسيطر القوات الأجنبية فعلياً على إقليم الخصم بشكل لا منازع فيه، مما يفرض على القوة المحتلة إنشاء إدارة فعلية وإدارة الأراضي المحتلة[3].

وفي هذا الإطار، يفرق القانون الدولي بين:
الاحتلال الحربي: حيث تستمر سيادة الدولة المحتلة، ولا تنتقل إلى دولة الاحتلال.
الفتح: وهو انتقال السيادة بالكامل إلى الدولة الغازية، إما عن طريق ضم رسمي أو معاهدة.
كما يُفرق بين:
الاحتلال العسكري: الذي يحدث في نزاع مسلح دون بلوغ حالة الحرب الرسمية، ويتطلب من المحتل صلاحيات مؤقتة لإدارة الإقليم.

2. الاعتراف الدولي بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران 1967: تأكيد حالة الاحتلال
تؤكد قرارات الأمم المتحدة المتكررة، وفي مقدمها قرارات الجمعية العامة (181/1947، 3237/1974، 43/177/1988، 67/19/2012)، الاعتراف بدولة فلسطين ضمن حدود الرابع من يونيو 1967، مع القدس الشرقية عاصمتها، واعتبار الأراضي الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي[4].
هذا الاعتراف الدولي لا يعني فقط الإقرار بوجود دولة فلسطين، وإنما يؤكد بشكل قاطع على أن الأراضي الواقعة تحت الاحتلال هي أراضٍ محتلة، وتخضع للالتزامات القانونية التي يفرضها القانون الدولي على دولة الاحتلال.

3. الالتزامات القانونية المترتبة على دولة الاحتلال (إسرائيل)
تفرض الاتفاقيات الدولية المتصلة بالقانون الدولي الإنساني عدة التزامات على دولة الاحتلال، وتحديداً من خلال:
المواد (42) و(56) من قواعد لاهاي لعام 1907، والتي تنص على أن دولة الاحتلال تحتفظ بإدارة الإقليم المحتل وتلتزم بحماية الممتلكات العامة والخاصة واحترام النظام القائم ما لم تكن هناك ضرورة عسكرية[5].
اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تركز على حماية المدنيين في الأراضي المحتلة، وتحظر عمليات التهجير القسري، نقل السكان الأصليين أو المستوطنين، والاعتقالات التعسفية، كما تمنع العقوبات الجماعية[6].
البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، الذي يعزز من حماية السكان المدنيين ويشدد على احترام حقوق الإنسان في مناطق النزاع[7].
تفرض هذه الاتفاقيات على دولة الاحتلال الالتزام بتوفير الحماية للسكان المدنيين، وعدم تغيير البنية السكانية أو الوضع القانوني للأراضي المحتلة، مع وجوب ضمان الأمن والاستقرار، وحماية حقوق الإنسان الأساسية.

4. الأثر السياسي والقانوني للاعتراف بفلسطين كدولة تحت الاحتلال
أ. فرض التزامات دولية على الاحتلال الإسرائيلي
باعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال، يصبح الاحتلال الإسرائيلي خاضعاً لمسؤوليات دولية واضحة، وتحمل تبعات قانونية في حال انتهاك حقوق الفلسطينيين، ويصبح المجتمع الدولي مطالباً بمراقبة تطبيق هذه الالتزامات ومحاسبة الاحتلال على أي خروقات[8].

ب. تعزيز مكانة فلسطين في الساحة الدولية
يؤدي الاعتراف الدولي بفلسطين إلى تمكينها من الانضمام إلى المنظمات الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، ووكالات الأمم المتحدة مثل اليونسكو والمنظمات الإنسانية، مما يوفر أدوات ضغط قانونية وسياسية على الاحتلال[9].

ج. حماية حقوق الفلسطينيين ورفع الغطاء عن الاحتلال
يُعزز الاعتراف بدولة فلسطين حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وحق العودة للاجئين طبقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، كما يكرس رفض الاحتلال وفرضه على الشعب الفلسطيني[10].

د. تفعيل قرارات الشرعية الدولية
اعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال يدفع باتجاه تفعيل قرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، واتخاذ إجراءات عملية لوقف الاحتلال وإنهاء الانتهاكات، ما يفتح أفقاً جديداً للعمل الدولي والضغط على الاحتلال[11].

5. مسؤوليات المجتمع الدولي تجاه دولة فلسطين تحت الاحتلال
إن مسؤولية المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن والأطراف الفاعلة في القانون الدولي، تترتب على ضرورة:
مراقبة تطبيق القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.
دعم مؤسسات دولة فلسطين في تطوير مؤسساتها القانونية والسياسية.
اتخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبة الاحتلال على الانتهاكات، بما في ذلك دعم آليات العدالة الدولية.

6. أرقام وإحصائيات داعمة

يبلغ عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة نحو 5.3 مليون نسمة (تقرير البنك الدولي 2023)[12].
وصلت نسبة الفقر إلى 29.2%، والبطالة إلى 26%، مع تأثيرات مباشرة من الاحتلال والإغلاق المستمر (البنك الدولي 2023)[13].
أكثر من 5.7 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين في الأونروا، يعبرون عن استمرار معاناة اللاجئين وحقوقهم القانونية (تقرير الأونروا 2023)[14].

خاتمة
إن الاعتراف الدولي بدولة فلسطين كدولة تحت الاحتلال هو عامل أساسي في إعادة القانون الدولي إلى صدارة الحل، ويشكل إطاراً قانونياً وعملياً لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني.
يضع هذا الاعتراف دولة الاحتلال في موقف قانوني حرج، ويجبر المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته تجاه حماية دولة فلسطين وشعبها، ويدعم الحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة، ويعزز فرص السلام العادل والدائم في المنطقة على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

المراجع والهوامش

[1] قواعد لاهاي لعام 1907، لائحة بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية، المادة 42.
[2] اتفاقيات جنيف الأربعة، المادة الثانية المشتركة، 1949.
[3] Brownlie, Ian. Principles of Public International Law, 7th Ed., 2008.
[4] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 (1947)؛ 3237 (1974)؛ 43/177 (1988)؛ 67/19 (2012).
[5] قواعد لاهاي لعام 1907، المواد 42 و56.
[6] اتفاقية جنيف الرابعة (1949) الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب.
[7] البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977).
[8] Henckaerts, Jean-Marie, and Louise Doswald-Beck. Customary International Humanitarian Law, ICRC, 2005.
[9] انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، 2015؛ وانضمامها إلى اليونسكو، 2011.
[10] قرار الجمعية العامة رقم 194 (1948) بشأن حق العودة.
[11] تقرير مجلس الأمن الدولي بشأن النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، 2023.
[12] تقرير البنك الدولي، Economic Monitoring Report to the Ad Hoc Liaison Committee, أبريل 2023.
[13] تقرير البنك الدولي عن الفقر والبطالة في فلسطين، 2023.
[14] تقرير الأونروا السنوي، 2023.