قبل أسبوعين صدرت عن وسائل الإعلام الأميركية تقارير تستند إلى بحوث رصينة حول الجهود التي تبذلها إسرائيل من أجل تأمين سيطرتها على غزة من خلال: الهدم الجماعي للمنازل والمستشفيات والمدارس والبنية التحتية، والترحيل القسري لمن تبقى من الفلسطينيين في شمال غزة، وممارسة القناصة الإسرائيليين «رياضة» قتل الفلسطينيين الفارين، وتسجيل «عمليات الإصابة»، وبناء قواعد الاحتلال العسكري في أقصى شمال غزة وممر نتساريم، بما في ذلك منشأة «شبيهة بالمنتجع»، حيث يستطيع الجنود الذي أنهكتهم الحرب أخذ قسط من الراحة والاسترخاء.
كما ظهرت قصص حول استمرار نقص الخدمات الطبية والغذاء والماء والصرف الصحي والمأوى لمليوني فلسطيني متكدسين في جنوب غزة. تضاف إلى ذلك التطورات في إسرائيل. فبعد توقف طويل، استؤنفت المظاهرات ضد حكومة نتنياهو احتجاجاً على عدم حسم مصير الرهائن الإسرائيليين المتبقين، واحتجاجاً على جهوده المستمرة للإفلات من المحاكمة. وفي غضون ذلك، يتحدى بعض الصحفيين والمعلِّقين الإسرائيليين الشجعان مواطنيهم لرؤية ما يتم تجاهله منذ أكثر من عام: أي أن إبادة جماعية تُرتكب باسمهم. لكن ما الذي يعنيه بالضبط «الوقوف مع إسرائيل» في هذه المرحلة؟
وإذا كان من حق أولئك الذين نصبوا هذه اللافتة أمام منازلهم مؤخراً التعبير عن آرائهم، حتى وإن وجدها آخرون لا تراعي مشاعر البعض أو منفّرة، أو اعتبار محاولة محو ما كتب على لافتاتهم أو تحريفه أو التحريض على العنف رداً على ذلك أمراً خاطئاً ومجانباً للصواب. فالإيمان بالديمقراطية والحاجة إلى الخطاب المدني يقتضي رفض الشتم أو التهديد أو التخريب، فإن هذا الأمر يثير سؤالاً آخر: ما هي ردة الفعل التي قد تنتج عن نصب أحد الجيران لافتة «أنا مع فلسطين» في حديقته؟
لا شك أن الرأي العام حول إسرائيل/فلسطين قد تغيّر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إذ بات هناك تعاطف أكبر من أي وقت مضى مع الفلسطينيين، ورفض متزايد لسياسات إسرائيل، حتى بين مؤيديها. وإدراكاً لهذا التغير الكبير في الرأي، قامت منظمات مؤيدة لإسرائيل وحلفاؤها في الحكومة وأجزاء من وسائل الإعلام بشنّ هجوم يهدف إلى إسكات المشاعر المؤيدة للفلسطينيين، بل وحظر التعبير المشروع عن دعم الفلسطينيين، ومعارضة السياسات الإسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي والأميركي.
ويبدو أن هذه الجهود الرامية إلى خنق الخطاب المؤيد للفلسطينيين ما زالت هي صاحبة اليد العليا حتى الآن. والواقع أن مراجعة بسيطة لردود الفعل على الأحداث الأخيرة في الجامعات والنقاشات في الكونجرس والمجالس التشريعية للولايات تؤكد أن مجرد لافتة «أنا أقف مع فلسطين» يمكن أن يدان باعتباره عملاً تحريضياً وغير حساس، بل وحتى معادٍ للسامية. علينا أن نعترف بأن الخطاب على كلا الجانبين قد انحرف في بعض الحالات إلى اتجاهات غير مقبولة.
والأكيد أن ترديد المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل عبارات معادية ضد الفلسطينيين، أو هتاف المؤيدين للفلسطينيين التي تتضمن عبارات معادية للإسرائيليين يجب أن يدان. ولكن المثير للقلق هو التقارير العديدة والمتواترة التي تفيد بأن التعبير عن دعم حقوق الفلسطينيين يتعرض للرقابة بدعوى أنه يجعل مؤيدي إسرائيل «غير مرتاحين». فهذا النوع من الشطط الخطير هو ما يحدث حالياً بالضبط.
وخلاصة القول إنه إذا أراد شخص ما التعبير عن أنه «يقف مع إسرائيل»، فيجب أن يكون حراً في القيام بذلك، وأن يقبل أنه بالنظر إلى ما يجري في فلسطين، فإن ذلك سيدفع البعض ليتساءل: «ماذا تقصد بذلك بالضبط»؟ كما أنه ينبغي أن يكون بوسع جيرانهم أن يعلنوا أنهم «يقفون مع فلسطين»، وأن يجيبوا عن الأسئلة التي قد تُطرح عليهم، وأن يفعلوا ذلك دون خوف من الانتقام. غير أننا للأسف لم نصل بعد إلى هذه المرحلة.
نقلا عن الاتحاد