صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية – بقلم إيشان ثارور –
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية ، تقريرا للمعلق إيشان ثارور قال فيه إن مدينة زهران ممداني العالمية تتصادم مع مشروع ترامب القومي.
ووجد رؤساء البلديات الليبراليون في المدن الكبرى حول العالم، أنفسهم على خلاف مع الشعبويين اليمينيين المتطرفين الصاعدين.
وسيواجه ممداني بلا شك معركة مماثلة، على حد قول ثارور. وقال إن بعض منتقدي ممداني يريدون أن يصدقوا بأن صعوده يسرع من صراع الحضارات.
ففي الفترة التي سبقت انتخابات عمدة مدينة نيويورك، والتي فاز بها ممداني فوزا ساحقا ليلة الثلاثاء، وصف اليمينيون الأمريكيون البارزون، بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب، الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 34 عاما بأنه “جهادي” مزعوم و”كاره لليهود” وحتى أحد مشجعي الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 (عندما كان ممداني في العاشرة من عمره بالكاد).
وفي نظرهم، كانت أصول ممداني الهندية الأوغندية موضع شك، وخلفيته المسلمة جزئيا تشكل تهديدا. بدلا من إجراء نقاش مع منافس سياسي، سعى عدد من المشرعين الجمهوريين إلى إيجاد طرق لسحب جنسية ممداني وترحيله. إلا أن ممداني في نظر الكثيرين في نيويورك، ظل نيويوركيا بامتياز. فقد نقلت وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به أصالته وارتباطه بالمدينة الذي لا مثيل له من قبل منافسين آخرين. وقد أدى تركيزه على جعل المعيشة متاحة في المدينة إلى زيادة كبيرة في تسجيل الناخبين بين الشباب المتعطشين للتغيير.
وأدى تنوع حملته السهلة، بما في ذلك الإعلانات بمجموعة متنوعة من اللغات، إلى تنشيط مجتمعات مهملة سابقا في واحدة من أكثر مدن العالم تنوعا. وحتى مع تركيز ممداني على القضايا ذات الصلة بسكان نيويورك من الطبقة العاملة، لم يتردد أبدا في المشاركة بالحوار الوطني. وقال في فعالية ما قبل الانتخابات: “نحن في فترة من الظلام السياسي: دونالد ترامب وعملاء دائرة الهجرة والجمارك التابعة له يختطفون جيراننا المهاجرين من مدينتنا أمام أعيننا” و”إدارته الاستبدادية تشن حملة انتقامية عنيفة ضد كل من تجرأ على معارضته”.
وعندما وجهت إليه هجمات صارخة معادية للإسلام وهجمات لاذعة، ألقى ممداني خطابا مؤثرا حول تجربة العيش في ظل التعصب بالولايات المتحدة وضرورة رفضه. وتمسك بسجله الطويل من النشاط المؤيد للفلسطينيين، مع نأيه بنفسه عن بعض تجاوزات خطاب النشطاء. وتعهد، بصفته عمدة، “بنشر مئات المحامين” لمقاومة تجاوزات ترامب الفدرالية وحماية الفئات الأكثر ضعفا في المدينة.
وفي ليلة الثلاثاء، تحدث بتحدٍ عن ترامب “المستبد” وجماعات المصالح الـ”أوليغارش” التي تدعم الرئيس الأمريكي. وقال بن ردوس، المستشار السابق للرئيس باراك أوباما: “لقد مثل ممداني صورة مختلفة عن السياسيين وشركات المحاماة والجامعات وشركات الإعلام وغيرهم: فهو لم يكن خائفا على الإطلاق، وبشكل أصيل”.
وقال ثارور إن الصدام الذي يعبّد فوز ممداني الطريق له، ليس صراع حضارات، بل هو صراع رؤى متنافسة للعالم، واحدة منهما راسخة في مشروع ترامب القومي الغاضب، والأخرى في مدينة ممداني العالمية. في الأولى، يعيش غير المواطنين خطر الاحتجاز والترحيل بسبب أفعالهم التعبيرية. أما في الثانية، فقد يبرز مغني راب سابق ذكي، يمكن القول إنه أكثر انسجاما مع كامبالا منها مع كانساس، كزعيم لأعظم مدينة أمريكية.
ويجد ممداني نفسه، على رأس حربة اتجاه أوسع نطاقا. ففي جميع أنحاء العالم، ينتهي الأمر برؤساء البلديات الليبراليين في المدن الكبرى إلى خلاف مع السياسات القومية في مناطقهم النائية، كما في حالة أكرم إمام أوغلو الذي عُزل من منصبه كعمدة لمدينة اسطنبول.
وفي الغرب، ازداد التوتر بين المدن والولايات في ظل صعود الشعبوية اليمينية المتطرفة. ويمثل رؤساء البلديات دوائر انتخابية أكثر تنوعا وتعددا ثقافيا بطبيعتها من الدول التي ينتمون إليها، وهم يدركون مدى أهمية هذا التنوع لدينامية مدنهم.
وحذرت فيمكي هالسيما، عمدة أمستردام ذات الميول اليسارية، من “الانهيار الوشيك لنظام ديمقراطي متحضر للغاية” في بلدها بسبب الاستقطاب الذي يحفزه اليمين المتطرف والهجمات المتزايدة على الأقليات. وقالت في آب/ أغسطس: “المجتمع الديمقراطي يحمي أقلياته والحريات تنتزع من الأقليات الآن”.
ويرى غيرغيلي كاراكسوني، عمدة بودابست الليبرالي، أن مهمته اليومية هي مقاومة أو مواجهة الإجراءات التي يتخذها رئيس الوزراء المجري القومي غير الليبرالي فيكتور أوربان. ونقل الكاتب عن كاراكسوني في وقت سابق من هذا العام: “عندما تستهدف الحكومة المجتمع المدني، نتعاون مع تلك المنظمات. وعندما تهاجم الصحافة المستقلة، نتضامن مع الصحافيين”. وأضاف: “نظهر أيضا حدود سلطة الحكومة، باستخدام الأدوات السياسية والقانونية لمقاومة التضييق المالي على مدينتنا” و”نحاول أن نكون قدوة ونقدم نموذجا يحتذى به لإثبات أن السياسة يمكن -بل ينبغي- أن ترتكز على مبادئ أخلاقية وأن تسترشد بأهداف أخلاقية”.
وسيجد ممداني نفسه بلا شك في معارك مماثلة مع ترامب خلال الأشهر المقبلة. وقد يستلهم، كدليل، من طول عمر وصمود عمدة لندن صادق خان، وهو سياسي مسلم آخر من أصل جنوب آسيوي. خلال الحملة الانتخابية، استحضر كلٌ من خصوم ممداني وخان تصورات هستيرية عن السياسيين كجهاديين متطرفين، حتى مع اهتمام المرشحين أنفسهم بالترويج لعلاقاتهم والتزاماتهم تجاه مصالح الطبقة العاملة في لندن ونيويورك.
وتجاهل معظم المطلعين على الحزب الديمقراطي في نيويورك وصف ترامب لممداني بأنه “شيوعي”، حتى أن بعضهم وصفه بأنه “رأسمالي تقدمي”، مستعد للتفاعل مع زملائه الأكثر اعتدالا وقادة الأعمال والتكنولوجيا. خان، وهو سياسي أكثر وسطية في جوهره وأسلوبه من ممداني، قاد لندن خلال صدمات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ووباء كورونا، وغالبا ما كان على خلاف مع حكومة حزب المحافظين، وفي الفترة الأخيرة أصبح ككيس ملاكمة يرمي حزب الإصلاح البريطاني اليميني المتطرف الصاعد كل كراهيته.
وقال ماثيو ماكغريغر، الرئيس التنفيذي لمؤسسة 38 درجة، وهي مؤسسة فكرية تقدمية مقرها لندن، لصحيفة نيويورك تايمز: “نحن في لحظة انتفاضة شعبوية يمينية متطرفة في كلا البلدين. وقد تم سحق يسار الوسط”. ومع ذلك، قال: “صادق وزهران استثنائيان وملهمان بطريقة يسعيان بها إلى استخدام قوة مدينتيهما لدفع عجلة التقدم إلى الأمام”.
في أوروبا، يبرز سياسيون آخرون من اليسار ويلتفون حول ممداني، الذي يعطي صعوده الإلهام لإحياء حظوظهم المتدهورة.
واستضاف جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال البريطاني السابق، اجتماعا هاتفيا في نهاية الأسبوع الماضي لدعم ترشيح ممداني، مشيدا بحبهما المشترك لنادي أرسنال لكرة القدم في شمال لندن. وشاركت مانون أوبري، السياسية الفرنسية التي تقود كتلة من الفصائل اليسارية في البرلمان الأوروبي، في حشدٍ انتخابي إلى جانب مؤيدي ممداني، مشيدة بـ”الأمل في التغيير الجذري” الذي يجسده.
وقال ديفيد بيليارد، مرشح حزب الخضر لمنصب عمدة باريس، لمجلة “بوليتيكو” إن حملة ممداني قد غيّرت مسار أحزاب مثله، والتي ترشحت سابقا على منصات أقل شعبوية. وأضاف: “لقد أمضينا وقتا طويلا في محاربة نهاية العالم، ولكن ربما لم نبذل جهدا كافيا لمساعدة الناس على الصمود حتى نهاية الشهر”.





