عندما نظر مارك زوكربيرج بجدية إلى الكاميرا، وأعلن للعالم (أو للرئيس المنتخب دونالد ترامب) أنه سيوقف جميع عمليات التحقق من الحقائق على «فيسبوك» وإنستجرام، لم يذكر سياقاً مهماً. هذه التغييرات ستنطبق فقط على المستخدمين الأميركيين لـ«فيسبوك» وإنستجرام، في الوقت الذي يطرح فيه الاتحاد الأوروبي قانوناً يستهدف المعلومات المضللة. هناك طريقتان للنظر إلى هذا الأمر. إذا كنت ترى أن عمل فيسبوك في مراقبة المحتوى هو شكل من أشكال الرقابة، فسيكون الأميركيون محظوظين بهذه الحرية الجديدة في الساحة العامة النابضة بالحياة التي يقدمها زوكربيرج.
أما إذا كنت تعتقد أن هذا العمل كان يحمي الناس من السُمّية، فستشفق على الأميركيين. في كلتا الحالتين، ستصبح تجربة وسائل التواصل الاجتماعي مختلفة، اعتماداً على الجانب الذي تعيش فيه من المحيط الأطلسي. بطبيعة الحال، كانت سياسات التحقق من الحقائق الخاصة بشركة «ميتا» تعاني مشاكل، كما أوضحت الأمثلة التي قدمتها الشركة لزميلي ديف لي، ولكن السبب لم يكن «التحيز السياسي»، الذي استشهد به زوكربيرج دون دليل كسبب لإيقاف العملية، بل كان السبب قرارات غير مدروسة.
كان من المنطقي أكثر أن يأمر زوكربيرج بتطوير أنظمة التحقق من الحقائق الخاصة به لتكون أكثر دقة، وأن يستثمر المزيد من المال في هذا الجهد، لكن مؤسس فيسبوك يقفز على الاتجاهات الجديدة، ويقلد منافسيه، وكان من المتوقع أن يتخذ الإجراء الأكثر ملاءمة سياسياً عند انتخاب ترامب. مع رحيل المدققين، ومعهم العلامات التي تشير إلى «معلومات خاطئة» التي يضعونها على المنشورات أحياناً، سيتمكن المستخدمون الأميركيون لفيسبوك وإنستجرام من الانضمام إلى نظام طوعي مشابه لميزة «ملاحظات المجتمع» على منصة إكس (تويتر سابقا)، والتحقق من الحقائق بأنفسهم. وميزة «ملاحظات المجتمع» ليست فكرة سيئة تماماً، ولكن هل تعمل بشكل فعال؟ الإجابة تعتمد على من تسأل.
أظهرت الأبحاث الأكاديمية أنها يمكن أن تقلل من بعض المعلومات الخاطئة حول اللقاحات، وتساعد المستخدمين على تمييز المنشورات المضللة، ولكن هذه الملاحظات قد تكون بطيئة في التنفيذ، ويمكن أن تنتشر أنصاف الحقائق بسرعة قبل أن تتم مناقشتها ونشرها.
لا يؤمن «آلان راسبريدجر»، و«خالد منصور»، العضوان في مجلس الرقابة الخاص بشركة «ميتا»، الذي يتعامل مع النزاعات المتعلقة بالمحتوى، بهذا النموذج. في مقال رأي نشراه يوم الخميس، قالا: «لو كان هذا النموذج من ملاحظات المجتمع مطبقاً في بريطانيا وقت أعمال الشغب في ساوثبورت العام الماضي، لما كان هناك من يحكم على الشائعات الجامحة حول هوية أو دين المعتدي المزعوم: كان للحقيقة أن تأتي في المرتبة الثانية بعد الادعاءات المتنافسة لأي شخص يرغب في التدخل».
ما هو أكثر تأكيداً أن تجربة «فيسبوك» وإنستجرام ستصبح أكثر تجزئة جغرافياً، وليس فقط بسبب مدققي المعلومات. فقد تأخر إطلاق مساعد الذكاء الاصطناعي لشركة ميتا،الذي كان لديه نحو 500 مليون مستخدم نشط شهريا في سبتمبر الماضي، في الاتحاد الأوروبي بسبب مخاوف من هيئة تنظيم الخصوصية الأعلى في المنطقة بشأن استخدام بيانات الناس لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة به. يبدو أن زوكربيرج يشعر بالشفقة على الأوروبيين لفشلهم في الاستفادة من هذه الفرصة. فقد قال في منشور على منصة «ثريدز»: «من المحزن أن أضطر أساساً إلى إخبار فرقنا بإطلاق تقدمنا في الذكاء الاصطناعي في كل مكان باستثناء الاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة. ووصفت شركة ميتا ذلك بأنه «خطوة إلى الوراء بالنسبة للابتكار الأوروبي». بالطبع، هذا ليس صحيحاً.
فالابتكار الأوروبي لا يتحدد بشركة كبيرة في وادي السيليكون تقدم للمستهلكين أداة مقابل بياناتهم. فبرامج الدردشة الآلية تجمع تفاصيل شخصية أكثر كثيراً مما فعلته استعلامات جوجل، وتجمع «ميتا» الإشارات التي يكتبها الناس في نظامها للذكاء الاصطناعي. (تقول ميتا إنها قد تجمع وتستخدم معلومات، مثل النصوص المكتوبة والاستجابات المُولدة، لتحسين كيفية عمل نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بنا). ربما ليس من السيئ أن يفوت الأوروبيون فرصة أخرى لجمع البيانات حتى يتم إعدادها للتعامل مع تفاصيلهم بشكل مناسب. ما يصفه زوكربيرج بأنه حاجز تنظيمي هو أساس لبناء الثقة العامة في أنظمة الذكاء الاصطناعي.
من غير المرجح أن تطبق شركة «ميتا» القواعد الجديدة الخاصة بالاتحاد الأوروبي بشأن المعلومات المضللة، المعروفة باسم قانون الخدمات الرقمية، على الأميركيين، وفقا لما قاله لي خبراء قانونيين. وسيكون القيام بذلك مكلفاً سياسياً لزوكربيرج، خاصة عندما يهاجم ترامب (وهو سيفعل بالتأكيد) المسؤولين في الاتحاد الأوروبي بسبب تغريم شركات مثل «ميتا»، أو «جوجل» التي تنتهك القانون الجديد. قد يشير ذلك إلى عصر جديد في كيفية امتثال عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي للقواعد الأوروبية.
في عام 2018، عندما أطلق الاتحاد الأوروبي لائحة حماية البيانات العامة لحماية الخصوصية عبر الإنترنت، أجرت العديد من الشركات تغييرات على مستوى العالم، لأن تشغيل أنظمة منفصلة كان معقداً ومكلفاً للغاية. ولكن ما يُعرف بـ«تأثير بروكسل» قد يضعف الآن، حيث يجد قادة مثل زوكربيرج أنه من الأكثر قيمة تشغيل منصاتهم بطريقة أكثر تجزئة لإرضاء المسؤولين الحكوميين على جانبي المحيط الأطلسي. لن تكون تغييرات «ميتا» دراماتيكية مثل «جدار الحماية العظيم»، الذي أدى إلى تطوير ثقافة إنترنت معزولة تماماً في الصين، ولكنها قد تعني فك ارتباط العلاقات بين مستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة وأوروبا، خلال السنوات القادمة. في وقت تتزايد فيه التوترات حول التجارة والأراضي، قد لا يكون هذا الاتجاه هو الأكثر صحة للمضي قدماً.
بارمي أولسون*
*كاتبة أميركية متخصصة في قطاع التكنولوجيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
عن الاتحاد الاماراتية