في المحشر الأخير!

بقلم ابراهيم ملحم

ضاقت الأرض على النازحين من تكرار الرحيل، في متوالية التقتيل والتجويع والتشريد، وحشر الناس، كل الناس في الممر الأخير، وكأنّ الراحل محمود درويش كان يرى برهافة الشاعر وخيال الرائي ما يكابده النازحون اليوم في السعير، حين قال: “تضيق بنا الأرض، تحشرنا في الممر الأخير”.
لم تعد أشعار الشعراء، ولا خطب الخطباء العصماء، قادرة على الإحاطة بوجع المعاناة، ونزف الجراح المفتوحة على المدى، حتى فاضت وغمرت القلوب المنهكة المثقلة بوجع الفقد، وألم الجوع الذي بات أشدّ فتكاً من القنابل التي توزعها الطائرات والمسيّرات على رؤوسهم، وهم يزحفون مع أطفالهم على بطون خمصاء من شدة المسغبة التي ألمّت بهم، وعضّت أمعاءهم، وسرقت ثمرات قلوبهم من بين أيديهم، كما الطفل مصطفى الذي ودعه والداه أمس بصمت جليل.
شبكات التلفزة نقلت أمس مشاهد لمئات الخيام تتكئ على بعضها البعض، منصوبة على شاطئ البحر، حتى فاض بها الميناء الذي بات مركز إيواء لنحو مليون نازح فرّوا من غزة والشمال، تحت النار.
في المحشر الأخير، لم يبق للفارين من الجحيم سوى البحر ملاذاً، بينما تنصب “الفقاعات أو الأقفاص المتخمة بالطعام”، كأفخاخ لاستدراج الجائعين إلى الجنوب، مشياً على الأقدام عشرات الكيلومترات، يخضعون بعدها إلى الابتزاز والتخيير بين الموت جوعاً أو التهجير!