«خطاب النصر» الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين احتفالاً بالذكرى الثمانين لعيد النصر على النازية في الحرب العالمية الثانية (الجمعة 9 مايو/ أيار الجاري) بمشاركة قادة أكثر من 20 بلداً يتقدمهم الرئيس الصيني «شي جين بينغ» ورؤساء رابطة الدول المستقلة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تضمن إشارات ل«سلام مشروط» مع أوكرانيا تريده موسكو، من أبرز معالمه أن يحقق هذا السلام أحد، وربما أبرز أهداف روسيا من حربها على أوكرانيا، وهو الانتصار على ما يعتبره بوتين «النازيين الجدد» في أوكرانيا، والقضاء نهائياً على نزوعهم لجعل أوكرانيا منطقة وثوب لحلف شمال الأطلسي على روسيا.
وبوتين ورجاله على قناعة تامة بأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والطبقة الجديدة الحاكمة في أوكرانيا هم «رأس رمح» تيار «النازيين الجدد»، وأنهم وصلوا إلى السلطة في كييف ضمن مؤامرة أمريكية – أوروبية على حلفاء موسكو في كييف، ضمن موجة «الثورات الملونة» التى نفذتها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في حلف شمال الأطلسي استكمالاً لما نجحوا في تحقيقه بمعظم إن لم يكن كل دول شرق ووسط أوروبا شركاء موسكو السابقين في «حلف وارسو». ويركز بوتين ورجاله على أن هذا المخطط، في حال نجاحه في أوكرانيا، وخصوصاً دمجها في حلف شمال الأطلسي، سيضع نصب عينيه تكرار تجربة تلك الثورات الملونة في روسيا للقضاء نهائياً، على طموحات «روسيا الجديدة» تحت زعامة بوتين بأن تتجاوز كل عثرات سقوط الاتحاد السوفييتي وأن تتحول مجدداً إلى قوة عالمية عظمى قادرة على المنافسة على الزعامة الدولية، وإسقاط النظام العالمي الذى تسيطر عليه الولايات المتحدة بتحالف مع شركائها في حلف شمال الأطلسي، وفرض نظام عالمي جديد أكثر عدالة وأكثر ديمقراطية بالمشاركة مع الصين.
لذلك جاء خطاب النصر الذى ألقاه بوتين شديد التركيز على إصرار موسكو على «الانتصار مجدداً على النازية» في إشارة إلى من يحكمون أوكرانيا، كما جاء متضمناً إشادة بالشراكة الاستراتيجية الروسية – الصينية، وبدور الصين التاريخي في الانتصار على النازية، لكنه تضمن من ناحية ثالثة إشارات مهمة تخص الولايات المتحدة والعلاقة معها، أكد فيها بوتين على حرص موسكو على «علاقة ندية» مع الولايات المتحدة، وإبراز الدور الرائد والأساسي في الانتصار على النازية أكثر من أي دولة أخرى بالعالم في إشارة إلى تصريحات سابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحدث فيها عن محورية الدور الأمريكي في انتصارات الحرب العالمية الثانية.
وما قاله بوتين بهذا الخصوص تلميحاً، قاله ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي قبيل أيام من احتفالات عيد النصر. ففي تعليقه على ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن «الولايات المتحدة فعلت أكثر من أي دولة أخرى في الحرب العالمية الثانية» يوم الخميس (أول مايو/ أيار الجاري) على منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»، جاء رد ميدفيديف عليه بعد يومين (السبت 3 مايو/ أيار الجاري): إن هذا القول «هراء مصطنع»، وقال ميدفيديف: «ضحى شعبنا بسبعة وعشرين مليون روح من أبنائه وبناته من أجل القضاء على الفاشية اللعينة». لذا «يوم النصر لنا، وهو التاسع من مايو، هكذا كان، وهكذا هو، وهكذا سيبقى دائماً».
تجديد خطاب «النصر على النازية» الآن يحمل معالم الشروط الروسية لأي مشروع سلام في أوكرانيا، وهو النصر على «مشروع النازية الجديدة» في أوكرانيا وفقاً للتوصيف الروسي. وهذا التجديد له أهميته من منظور توقيته، وهو أنه يجيء في أعقاب مخاوف روسية من حدوث تراجع في الحماسة الأمريكية للتوسط من أجل تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا بعد نجاح واشنطن على فرض «اتفاقية المعادن الثمينة» التى تريدها على أوكرانيا، وما أعقب هذا التوقيع من لقاء بين الرئيس الأمريكي والرئيس الأوكراني في الفاتيكان على هامش تشييع البابا السابق فرنسيس، وما جرى تسريبه من معلومات تقول: إن واشنطن تدرس إرسال دفعة جديدة من أنظمة الدفاع الجوي باتريوت إلى كييف في خطوة تعد أحد أكبر التعزيزات التى تقدمها الولايات المتحدة إلى الجيش الأوكراني.
تلميحات بوتين وتصريحات ميدفيديف ربما تكون قد استهدفت استيضاح حقيقة الوساطة الأمريكية بين موسكو وكييف، لكنها، وهذا هو الأهم تكشف عن حرص روسي على عدم تراجع عزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا، وهذا ما كان الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف حريصاً عليه في تصريحاته التي أكد فيها حرص موسكو على انعقاد القمة المنتظرة بين الرئيسين الروسي والأمريكي في أقرب وقت ممكن. بيسكوف أكد أن عقد هذه القمة «ضروري جداً»، كما أكد ضرورة الإعداد الجيد لها.
الأيام القليلة الماضية شهدت تحركات متسارعة باحتمال انعقاد قمة روسية – أوكرانية في إسطنبول بتركيا، الرئيس بوتين تحدث عن هذه القمة، وتحدث عنها أيضاً الرئيس الأوكراني، الأمر الذى يوحي بأن الخطوة الأهم التي تنتظر السلام في أوكرانيا ستبقى مرتبطة بالقمة الروسية – الأمريكية المنتظرة.
نقلا عن الخليج الاماراتية